طارق عباس يكتب: حظر نشر أم حظر حق دستوري؟

لا تندهش عزيزي المواطن من امتلاء القنوات التلفزيونية ببرامج الطبخ والمشكلات الاجتماعية والفتاوى المُعلبة والحديث عن الجنس واستضافة مغنيين شعبيين درجة ثالثة في برامج التوك شو الرئيسية، في الوقت الذي تحرمك الدولة من حق دستوري أصيل يسمى الحق في المعرفة، وحرية تداول ونشر المعلومات، في قضايا تمس حياتك اليومية وتتعلق بأموالك كمواطن مصري يدفع ضرائب تقابلها خدمات شبه منعدمة.

كمحرر قضائي، أدرك تماما أن جهات التحقيق تصدر قرارات حظر النشر في بعض القضايا التي قد يمس النشر فيها الأمن القومي، أو في حالة أن يتسبب النشر في إفشاء أسرار التحقيقات بما يضر بسير القضية والتوصل للحقيقة قبل التصرف فيها بالإحالة للمحاكمة أو الحفظ، وقد يضطر المحقق حظر النشر من البداية حتى لا يؤدي لهروب متهمين عند علمهم ببدء التحقيقات في قضية هم يدركون أنهم متورطون فيها.

لكن ما لا أستسيغه ويشاركني الرأي كثيرون من زملاء مهنة “البحث عن الحقيقة والمتاعب”، أن يُحظر النشر في قضية بها أسماء ترددت على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أي شيء آخر، ولا أتخيل أن يؤثر النشر في قضية كقضية “فساد وزارة الزراعة” المتورط فيها الإعلامي المزيّف ومدير مكتب وزير الزراعة وابن رجل أعمال معروف بدمياط، على سير القضية؛ لذيوع الأخبار عنها أكثر مما كان سيحدث في حالة إتاحة النشر عنها.

لوهلة كنت أتابع بعض التفاصيل التي تتسرّب من بعض المصادر، لكني لم أتخيل أن يساعد حظر النشر على الزج بأسماء لا أعتقد تورطها في القضية، لمعرفتي بهم وباحترامهم لذاتهم وليس لأنهم لا يمتلكون مئات الأفدنة ولا الفيلات والشاليهات الفاخرة في أرقى مناطق مصر، إلا أنهم إضافة لذلك مستبعدون منطقيا من قضية فساد بهذا الحجم، لأنهم لو كانوا كذلك، لكونوا ثروة طائلة طيلة سنوات العمل في بلاط صاحبة الجلالة، ولن ينتظروا كل تلك السنين حتى يتورطوا في قضية كتلك.

وبغض النظر عن الأسماء التي تنشر دون أي معلومات أو وثائق حقيقية، إلا أن حالة اللغط التي تحدث بسبب تلك القضية، مفادها أن الوسط الصحفي يلفظ الفاسدين ممن يعتنقون ديانة الصحافة، ويتسترون خلف أسوارها الحصينة لارتكاب جريمة في حق أصحاب الضمائر منها، ويلهثون فقط وراء المال، دون وازع من ضمير، أو استرجاع لمبادئ تلقوها يوما في كليات الإعلام، أو حتى سمعوا بها من أساتذة المهنة وشيوخها، إلا أن بريق الشهرة ينتهي شعاعه عند دفتر الشيكات.

أعتقد كغيري أن المواطن يجب أن يعلم ويعرف من مد يده في جيبه وسرق قوت يومه، ومن يتربص بالوطن ليقتنص أي فرصة للانقضاض على أراضي أو عقارات أو أموال لا صاحب لها إلا الشعب، ومن يلعب دور السمسار في عمليات النهب الممنهجة لثروات مصر، يجب أن يعرف المواطن من يدّعي الشرف وهو فاجر، ومن يتقمص شخصية الناصح الأمين وهو لصّ ونصاب، ومن يحاول أن يداري على فساد في الوقت الذي يحلم فيه المصريون بمحاربة الظلم والفاسدين، فلم تكتمل الفرحة بسقوط تلك العصابة، بسبب حظر النشر، الذي يعتبره البعض مقدمات تسوية وإخفاء على بعض كبار الرؤوس من أصحاب الياقات البيضاء والكروش الملوثة بأموال الشعب، ونسأل الله أن يخيب ظن هؤلاء ويتم الإفصاح عن تفاصيل القضية بكل شفافية خلال الساعات المقبلة.

لمتابعة الكاتب عبر فيس بوك من هنا

اقرأ أيضًا:

طارق عباس: “قناة السويس” وحدها لا تكفي!

طارق عباس يكتب: إلى “محلب”.. متى تستقيل؟

طارق عباس.. “بسمة – عراقي”: إنتوا بتشتغلوا إيه؟!

طارق عباس: ضع كلمة “جنس” في برنامج أو خبر!  

طارق عباس: تقنين الحشيش.. “القلشة” حكمت!

طارق عباس: ريهام سعيد.. تاجرة الآلام

 .

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا