آراء مثقفين وناشرين في “الكتابة النظيفة”
سالي فراج
من الطبيعي أن تختلف الكتابة الإبداعية من كاتب لآخر، كلٍ حسب وجهة نظره؛ ومخزونه الثقافي، وماذا يُريد أن يقول ويُعبر عن طريق كتاباته، وخلال الفترة الأخيرة أُثير جدلا على منصات التواصل الاجتماعي حول ما يُطلق عليه البعض “الكتابة النظيفة” فهناك من يرى أن الكتابة لابد أن تخضع وتتوافق مع معايير وقيم المجتمع، وعلى الجانب الآخر هناك من يرى أنه وصاية على الإبداع.
تواصل إعلام دوت كوم مع عدد من الكُتاب والناشرين والنُقاد للتعرف على رأيهم في مصطلح “الكتابة النظيفة”، ومدى تأثيره على حركة الكتابة الإبداعية في الوطن العربي.
يرى الكاتب والمؤرخ مصطفى عبيد أن مصطلح “الكتابة النظيفة” دخيل على الثقافة العربية، لأن أي كتابة هي “إبداع”، فمن المنطقي أن الكتابة بشكل عام نظيفة، لافتا إلى أن المجتمع يرفض الإبتذال، رغم أنه قد يقبل عليه في البداية فضول منه للتعرف عليه؛ ولكن فيما بعد ينفر منه.
أشار “عبيد” إلى إيمانه بانتصار الذوق العام في النهاية، والنفور من القبيح، وعن تعرضه لانتقادات من القراء في كتاباته فقال إنه قد تعرض من قبل لبعض التصورات- والتي يعتقد أنها كانت من قراء ليسوا الأصليين- التي ترى أن الحديث عن مشهد جنسي يُمثل كسر للذوق العام، كما أنه تعرض للهجوم من قبل بعض القراء في أحد كتبه، مؤكدا على إيمانه كباحث في نقل الحقيقة كاملة خارج أي تشويه أو تغيير.
لا يؤمن الكاتب والناقد إيهاب الملاح بوجود هذا المصطلح في دائرة الإبداع البشري، وقال إن وجهة نظره أنه لا توجد كتابة نظيفة وغير نظيفة، ولكن يوجد كتابة تخضع لمعايير الجودة، والإتقان، مشيرا إلى أن النص الذي يستحق بفضل تشكيله الجمالي ورؤيته الإنسانية، أو رؤيته التي تحمل هم وتصور مؤلفه يستحق أن يُقرأ ويحظى بالقبول والإنتشار بين القراء الواعيين.
أردف: “أننا نستطيع أن نميز بين القراء التي يكون من بينهم (قلة ناضجة) للتعامل مع النصوص الأدبية وتذوقها، ولكن للأسف الأكثر انتشارا حاليا هو نوع قراء وعيهم محدود، ولم يصلوا إلى الحد الأدني من النضج للتعبير عن آرائهم بشكل متزن، ومتماسك، مما يؤدي إلى انتشار مثل هذه المصطلحات”.
من جانبه أشار الناشر شريف بكر، مدير دار “العربي” للنشر والتوزيع، إلى أن الدار معظم أعمالها تكون مترجمة فمن الوارد أن يكون العمل كله قائم على شخصيات ذات ميول مختلفة سواء من الناحية الجنسية أو الدينية أو أفكارهم، لافتا إلى أن المعضلة تكون في هل العمل جيد أم لا، والمشاهد الموجودة هل موجودة للإثارة فقط أم تخدم العمل، مؤكدا على أنه في الأدب يكون هناك إثارة لهذه النقاط لأنها جزء أساسي من حياة الإنسان، كما أن الدار لا تحبذ اقتطاع أي مشهد من الروايات قبل أن تترجمها، ولكن ممكن أن تستخدم لغة عربية أكثر عمقا، حتى لا تكون صريحة وصادمة للقارئ العربي.
كما أنه هناك أعمال تضع على غلافها أنها “+18″، معبرا عن احترام الدار لكل وجهات نظر القراء المختلفة، وأن الدار تؤمن بحرية النشر، وأغلب قرائها يكون فما فوق 18 عاما فبالتالي يكون لهم مطلق الحرية لقراءة كل ما يريدون دون وجود أي تدخل خارجي من الناشر، ولكنه يرى أن المعضلة الأساسية تكمن في التوزيع خارج مصر بالدول العربية لأنه هناك أنظمة رقابة، يمنع نوعية الكتب التي تكون “+18″، ولكن الذي حل الأزمة هو وجود الكتاب الإلكتروني الذي يعبر الحدود.
في السياق ذاته أوضحت الكاتبة شيرين هنائي أنه لا توجد كتابة نظيفة وأخرى غير ذلك، ولا توجد كتابة نسوية وكتابة ذكورية، مؤكدة على أن التصنيف الوحيد هو تصنيف الكتابة الجيدة والسيئة لا أكثر، وللكتابة حدود يضعها الكاتب لنفسه، ولا يصح أن يضعها القراء عليه، كما أنها تميل للإنفتاح في مناقشة أي أمر مهما كان.
أكملت: “وأولى رواياتي كانت عن (اضطراب نفسي جنسي)، لكني اختار دائما الوصف الجمالي واستغلال بحر اللغة الواسع في التعبير عن أي موقف دون استخدام كلمات أو إيحاءات مباشرة. هذا اختياري الشخصي وهو يروق لبعض القراء ولا يروق للبعض الآخر الذي يحب المزيد من التحرر أو المزيد من المحافظة. لا ألوم الكُتاب الذين اختاروا مسالك مختلفة لكتاباتهم، وللقاريء العزيز حرية الاختيار”.
يرى الكاتب هشام الخشن أن مصطلح الكتابة النظيفة مُوجه ممن يُريدون فكرا واحدا بمعاييرهم، وتحجيم الإبداع وقصره علي أُطر معينة تخدم أغراضهم، والكاتب محدود الإبداع هو الذي يحجم كتاباته إرضاءا للمتلقي، مؤكدا على أنه موضوع سطحي سيأخذ وقته وذروته ثم يختفي.
استنكرت الكاتبة خميلة الجندي وجود مصطلح “الكتابة النظيفة”، وقالت: “إن افترضنا أن هناك كتابة نظيفة إذن كل ما لا يخضع لمعايير الكتابة النظيفة هو كتابة غير نظيفة، وهذا وصف سيء، ومخادع لكتابات كل الأدباء المعاصرين والقدامى، والسؤال الأهم من يضع معايير الكتابة النظيفة؟، وإذا كانت هذه المعايير تعتمد على الكتابة التي لا تُثير الغرائز فإن إثارة الغرائز نسبية بين الأشخاص لا أحد يعرف تحديدا ما هي”.
كما تساءلت من أطلق هذا المصطلح كان بناءا على ماذا؟!، مشيرة إلى أن الكاتب الساذج فقط هو الذي يتأثر بهذه المصطلحات، مؤكدة على حرية القارئ فيما يريد أن يقرأ، ولكن إذا تركنا مساحة الحرية للقارئ فيجب أن نترك مساحة الحرية للكاتب، والكتابة الإبداعية ككل تخضع لمعايير المجتمع وتكون “مرآة المجتمع”، ومُعبرة عنه.