رباب طلعت
حلت أطياف عدد من البرامج القديمة على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأسبوع المنصرم، وعلى عكس ما صار شائعًا كانت بالإشادة بتصريحات الفنانين و”رتم” الحوار الهادئ والمليء بمزيج من المشاعر والذكريات بعيدًا عن أجواء التصريحات (الجريئة، أو الصادمة، أو غيرها من التعبيرات) مما باتت الصحافة تستخدمها لوصف أبرز ما جاء في حلقات برامج التوك شو والهارد شو.
في البداية طرحت منصة “شاهد VIP“، حلقتين من البرنامج الذي يذاع لأول مرة “الخال يقابل” من إنتاج جميل عزيز، والذي يحاور فيه الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي عدد من الفنانين، وكانت أول حلقتين عرضتا على شاهد للفنانين نور الشريف وكمال الشناوي، وقد حظيت الحلقة الأولى باهتمام بعض الصفحات المهتمة بالفن بالإضافة لصحفي الفن والنقاد الذين تناولوا عدد من تلك التصريحات عن ذكرياته ووالده وغيرها من الأمور.
بعدها بدأت الأنظار تتجه وبقوة إلى حلقة الفنانة عبلة كامل، في برنامج “على الهواء” مع الإعلامي عماد أديب، والتي طرحت على اليوتيوب الحوار الوحيد الطويل تقريبًا في تاريخ الفنانة المعروف عنها انعزالها التام عن وسائل الإعلام التقليدية وكذلك السوشيال ميديا حاليًا، حيث إنها المرة الأولى التي يشاهد الجمهور نجمتهم عن قرب بعيدًا عن أدوارها الفنية، مما دفع صاحب القناة لطرح عدد من الحوارات النادرة لفنانين آخرين من نفس البرنامج أبرزهم شريهان وعمرو دياب وعامر منيب.
ومن ثم في مظاهرة الحب التي خرجت في عيد ميلاد الفنان عادل إمام، كان لمقطع من حوار قديم له مع الإعلامي محمود سعد، يتحدث فيه الفنان الكبير عمر الشريف صدى واسع أيضًا، حيث ظهر زعيم الكوميديا المصرية متواضعًا بسيطًا شديد التأثر بالإطراء عليه من “الشريف” الذي يسبقه بسنوات في التمثيل والعالمية.
الأمر الذي حاوط تلك الحوارات خاصة عبلة كامل، كان بسبب الهدوء والتلقائية الشديدة من قِبل المضيف والمستضيف، بالإضافة كونه الحوار الوحيد للفنانة المعتزلة وسائل الإعلام، ولكن بجانب ذلك فهدوء المحاورين كان أساس الإشادات، فالإعلامي عادل أديب في بداية حوار عبلة حاول تهدئتها وإذابة جبل الخوف والتوتر الذي كانت تعتليه، لتنزل إلى أرض الحوار بهدوء وتلقائية اعتدناها في أدوارها وكانت هي سمتها الأصلية، فتحولت إلى ترند بدون صراخ وتصريحات جريئة أو مثيرة للجدل.
نفس التلقائية كانت في حوار محمود سعد مع عادل إمام، والأبنودي مع الفنانين نور الشريف وكمال الشناوي ، على الرغم من كونه ليس مذيعًا في الأساس ولكنه نجح أيضًا في استخلاص ذكريات وحكاوي من حياتهما الشخصية بدون الظواهر الحديثة من استفزاز الضيف، والضغط عليه للتصريح بما لا يحمد عقباه، أو لف مشنقة الجمهور حول عنقه.
لعل الأمر الأكثر أهمية في تلك البرامج، هو النجوم أنفسهم، فضيوف الحوار كان كل منهم ذو شخصية مختلفة وصفات بارزة، لكل منهم حكاياته التي لا تشبه غيرهم، منهم المثقف الذي تستمتع بألفاظه واختياراته للأمثلة التي يطرحها ليثبت وجهة نظره مثل الراحل نور الشريف، ومنهم التلقائي البسيط جدًا مثل عبلة كامل، ومنهم الوقور مثل كمال الشناوي، وخفيف الظل مثل عادل إمام، لا أحد يشبه الآخر، لا تصريح منهم يمكن استنساخه مثلما يحدث حاليًا (ابحت كم قصة مشابهة للحب الأول بين الفنانين، وقصص الريجيم السحري وممارسة الرياضة للحفاظ على اللياقة وشرب الماء للحفاظ على الجمال وغيرها)، حتى التصريحات المعتادة عن (مشاكل الوسط الفني و”الكل غيران من نجاحي”)، وغيرهم.
ذلك الأمر بالطبع نتيجة أولًا لأن أسئلة المحاورين باتت واحدة ومتشابهة إلى حد كبير، بل أصبح الجميع نسخة واحدة ما عدا أمثلة يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة تنفرد بطابعها المميز، ولكن أيضًا لشخصية الفنان نفسه، فالواضح أن الجيل القديم كان أكثر نضجًا ووعيًا بمسؤولية الظهور على الشاشة، وذلك يثير نقطة في بالغ الأهمية وهي “اختيار الضيف”.
السؤال الذي يتراود في الأذهان حاليًا وقد تم طرحه من البعض فعلا هو هل يتحمل العصر الحالي تلك النوعية من البرامج الهادئة، أم أن صخب الحياة المعاصرة يمنعها من النجاح؟ وبات الأنسب له والأنجح هو ما يثير الجدل والانتقادات لعتلي الترند ما يعد تسويقًا ودعاية مجانية للبرنامج؟
سنجد أن الإجابة يصعب الجزم بها، فمن المشاهدات السطحية للأمر سوف نلاحظ أن البرامج المتصدرة للشاشة على مدار العام هي التي تعتمد على طريقة إثارة الجدل بغض النظر عن بعض الأمثلة التي نجحت في إثبات نفسها بالفعل وسنجد أنها على الأغلب تراعي مسألة اختيار الضيف المناسب، على عكس الأخرى التي تتعمد اختيار الضيوف مثيري الجدل، بادعاء أن “ده اللي بيعجب الجمهور”، ولكن الجمهور نفسه أحب النوع الآخر من البرامج، ولنا في حوار عبلة كامل وعادل إمام مثلًا.
بخلاف كل ما سبق ذكره، صدفة التواجد القوي لتلك البرامج خلال أسبوع واحد لأسباب عدة ومن مصادر عدة يجعلنا نقفز إلى 10 أو 20 عامًا من الآن، ونطرح سؤالًا ما الحوار الذي إذا ما تم عرضه وقتها سيثير ذلك الحنين للماضي؟ وينجح في كسب جمهور عصر آخر؟ ولنكن أكثر قربًا من الواقع ما الحوار الذي تم عرضه قبل شهر واحد لو تم عرضه مرة أخرى سنشاهده؟ قلة قليلة للأسف ليس من بينها الحلقات “الترند” السلبي التي لاقت نجاحًا بالفضائح أو الخلافات وغيرها، بل التي نجحت في خلق حوار حقيقي كشفت من خلاله جوانب إنسانية ومهنية عن الضيف، لا جوانب سلبية تقلل من احترامه أمام جمهوره.