ضحى صلاح
دائمًا ما يكون اسم البطل مفتاحًا نحو شخصيته بشكل ما، يعكس صفة رئيسية أو ضدها؛ كأن يسمي الكاتب بطله “صادق” ليكون صادقًا فعلًا أو أفاكًا. البعض يحب أن يعطي أبطاله أسماءً لتدل على طبقتهم الاجتماعية وبيئتهم، أو لتكون رمزًا هامًا ومحورًا في روياتهم مثل نجيب محفوظ. البعض يحب إعطاء أسماء جذابة، برَّاقة خصوصًا لو كان البطل وسيمًا أو ماهرًا في شيء ما مثل “شيرلوك هولمز”.
تتجلى بعض المفارقات عند تحليل تلك الأسماء الخيالية، خصوصًا إذا كانت أسماءً غريبة عن عالمنا؛ نتعلق ببعضها، ونبكي لمصائرهم رغم معرفتنا تمام المعرفة أن تلك الشخصيات مختلقة. وهذا ما فعله طارق إمام في روايته الأخيرة “ماكيت القاهرة”.
يبدأ طارق روايته بسؤال خيالي “ماذا لو رفع طفلًا إصبعه ثم وجهه إلى رأس أبيه وأطلق منه رصاصة متخيلة؟.. ماذا لو أن تلك الرصاصة المخيلة لم تكن كذلك؟”.
القتل بالنسبة لطارق إمام خطيئة أصلية، شيء نحمله في جيناتنا، فهو يخلق معانٍ شعرية، يُخلِّص وينهي؛ أولئك الأشخاص الذين يسيرون جوارنا في الشوارع، يتبادلون معنا أطراف الحديث، الجيران الصامتين في حالهم، ماذا سيحدث لو قرر أحدهم إشهار سكين فجأة ووجهها ناحية شخص يسير إلى جواره؟ ما الذي قد يدفع شخص لارتكاب مثل هذا الفعل؟ دون مقدمات؟
لم يكن “أوريجا” يرغب في قتل والده، لكن والده مات فعلًا بسبب طلقة مُتخيلة، عندها تُدرك أن الفكرة قد تقتل، تُدرك إن الأفكار خطرة بالفعل، وفكرة واحدة قادرة على إزهاق روح.. محوها تمامًا في لحظة.
قد يكون القتل دافعًا للإبداع مثل سالم القاتل المتسلسل الذي يكون الموت بالنسبة له ميلادًا لقصيدة. تأتي رغبته في القتل مُلحة، وجارفة، إنه إحياء لشيء على حساب شيء آخر.
– مستويات الأسماء في “ماكيت القاهرة”
عند قراءتك لاسم البطل تُدرك أنك في عالم مختلف، لا بسبب الحدث المتخيل، ولكن بسبب الإسم على وجه الخصوص. ثم تمر بك الأحداث لترى أن تلك الغرائبية تمتد لأسماء بقية الأبطال؛ ووسط السواد والفانتازيا والمرارة تكمن الضحكات، تلك الأسماء التي كسرها طارق لتبدو نكتة للبعض، كاشفة، ومثيرة للتفكير.
الأول هو المستوى الشخصيات الرئيسية: الميسيز، نود، بلياردو، أوريجا.
رجوعًا إلى المدونات وحتى يومنا هذا يرى طارق إمام أن ممارسي الفن من جيلنا يفضل الأسماء الحركية؛ فرسامي الجرافيتي يوقعون بأسماء مختصرة، كذلك رسامي الكوميكس، وصولًا إلى مغنيي الراب والمهرجانات الشعبية. قد يخفي بعضهم اسمه الحقيقي كطريقة منه لحماية نفسه من الانكشاف أو كوسيلة للمقاومة والحماية.
ما الذي يفضله البعض حقًا؟ الاسم الذي أعطاه له والديه؟ أم الذي يختاره لنفسه؟
يقول طارق إمام في إحدى لقاءاته: “عندما أسير وأسمع شخصًا ينادي باسم طارق وألتفت لأجد طارق آخر؛ في هذه اللحظة أكتشف أن هذا ليس اسمي، بينما ألتفت نيابة عن شخص آخر، نحن ننسى أن أسماءنا يملكها الجميع”.
في الواقع والروايات يختار الكتاب أو حتى المشاهير أسمائهم بعناية، حتى وإن اختاروا أسماءً جديدة أو ألقابًا، يجب أن يكون الاسم جميلًا، ورنانًا ومختلفًا، لكن طارق إمام لم يهتم بهذا في ماكيت القاهرة، بل فعل العكس!
ففي الرواية نجد أسماء مثل “زيد الدين زيدان” و”منسي عجرم”، و”خورخي خالد”، “كوليهماينن مدحت”.. إلخ.. الذين يمثلون قادة الفكرة الإنساني، ومشاهير يحتذى بهم.
“الأمكنة تخلق قاطنيها. إن أنشأت نسخة جديدة من بيت، ستنشأ نسخة جديدة من ساكن”. منسي عجرم
فـ”منسي عجرم” يحدد المصائر، وتصل مرتبته حد القداسة، كتابه يُرشد الناس في حياتهم، كلام نظري وثقيل، لكن اسمه في النهاية “منسي عجرم”!
يقول طارق إمام: “إذا كانت الشخصيات تقدم حقائق مطلقة بداخل الرواية؛ فيمكننا من خلال أسمائها أن نجعلها باعثة على الضحك والتشكيك في تلك الحقائق”.
وكأن طارق إمام يصنع محاكاته الساخرة، لاعبًا بين الخفة والثقل -ثقل الاقتباس والفخامة الأسماء- كاسرًا الحاجز النفسي المقدس للأسماء الرنانة للأبطال الذين يمتهنون مهنًا عادية ويعيشون حياة عادية بينما أسماءهم بارزة للغاية.. بدون أي مبرر.