البراء أشرف يكتب: عما أريده من العالم قبل بلوغي الثلاثين

أحياناً، أنظر إلى سنوات عمري السابقة فأراها قليلة جداً. بالأمس القريب كنت طفلاً، وقد اختبرت عدداً محدوداً من المشاعر واللحظات، كأني أريد أن أطلب من الذين يظنوني كبيراً أن يتوقفوا عن المبالغة. فقط لدي من العمر 29، وهذا رقم مازلت أراه قليلاً جداً.

صوت ابنتي الكبرى في الهاتف يصفعني عدة مرات، لديها من العمر سبع سنوات وبضعة أشهر إضافية، وأختها الصغرى لديها عامان وبضعة أشهر أخرى. بحسبة بسيطة، أنا أملك ثلاثة أضعاف سنوات عمر الطفلتين، وأجدني مازلت مشغولاً، بأمور تشبه ما يشغل صاحبة الصوت الرقيق على الهاتف: “بابا، عايزة ألعب”.

أنا أيضاً أريد أن ألعب، أنا أيضاً أمر أحياناً على قسم ألعاب الأطفال في المحلات الكبرى. وأجد فيها ما لا يزال قادراً على لفت انتباهي وإثارة فضولي ورغبتي في اللعب، أنا أيضاً أشعر أنني لم أحصل على قدر مناسب من اللعب، الوقت كان ضيقاً ولا يزال، بحيث كانت هناك دائماً أمور أكثر أهمية من اللعب، وأنا الآن على أعتاب الثلاثين أشكك في أهمية كل ما أنهى وقت اللعب مبكراً، اللعب أهم، دون شك.

لو أن العالم يسمع، وهذا أمر لم ألحظه يحدث سابقاً، فهذه بعض الأشياء، أتمنى لو أن حصولي عليها لا يسبب له -العالم- أية مشكلة، أرجو لو أنه بكرمه غير المعهود، يتكرم -كاستثناء-، ويسمح لي بالحصول عليها في الشهور القليلة التي تفصلني عن الثلاثين، بل إني لا أمانع، لو حصلت على بعضها بعد الثلاثين مباشرة.

أريد لو أنني أتوقف عن الاهتمام برأي الناس، عموماً، وقد حاولت بشكل شخصي جداً، تطوير هذه المهارة في نفسي دون جدوى، الأمر بحاجة إلى جهد جماعي، خاصة وأنني على ما يبدو لست صاحب الرغبة الوحيد، كل الذين قابلتهم سابقاً، في سنوات حياتي التي أظنها قليلة وتبدو كثيرة، يشكون من ذات المسألة، آراء الناس فينا، تقييمهم المستمر لنا، كلنا نكافح للوصول إلى حالة من التبلد، بحيث لا ننشغل بالناس أكثر من انشغالنا بأنفسنا، أريد من العالم أن يساعدني، يساعدنا، بل ويساعد نفسه، بحيث يتوقف الآخرون عن إبداء الملاحظات والآراء والانطباعات والتقييمات المستمرة، هذا سيساعدنا دون شك على الشفاء بشكل أسرع، والعالم مكان أفضل جداً، دون كل هؤلاء المرضى.

وأريد، لو أنني أحصل على إجابات عن الأسئلة التي واجهتها سابقاً. العالم بخيل جداً فيما يتعلق بالإجابات. كل صباح، أواجه سؤالاً جديداً. عن الخير والشر، الحق والباطل، الماضي والمستقبل، الحب والكراهية، الحزن والسعادة، الهجرة والوطن!

الأسئلة اليومية، الاختيارية تحديداً، ذات الأقواس التي نختار من بينها، دائماً صعبة. ودون إجابات نهائية، لا أرغب في الحصول على إجابات كاملة لكل الأسئلة، سأكتفي ببعضها، واحد أو اثنين كفاية جداً، لكن أن أظل هكذا، دون إجابة واحدة وحيدة، هذه سخافة من العالم.

وأريد لو أنني أتحكم قليلاً في الزمن، هناك أشياء أود لو أفعلها بسرعة، وأمور أخرى أفضلها بطيئة، أريد لو أقرأ بسرعة، أنام بسرعة، أحب بسرعة، أفقد ما زاد من وزني بسرعة.

وأفضل، لو أستمتع ببطء. لو تمر اللحظات السعيدة أبطأ وأبطأ، لو أن مليكة وكرمة، صغيراتي الجميلات تكبران ببطء، لو أنهما تظلان طفلتين.. ولو يستمر اسمي على شفاة كل منهما براء لا بابا.

أرجو، لو أني أتعلم الأكل ببطء. المضغ جيداً. لو أنني أعلم وأؤمن، أن لا شيء يستحق التعجل. وأن مذاق الطعام يستحق مزيداً من الوقت.

وأريد، لو أن الأشياء المزيفة يسهل كشفها، والأشياء الحقيقية يسهل اكتشافها، لو أن الخدع تتوقف بشكل عام. لم يعد هناك وقت لمزيد من التجارب عديمة الجدوى.

وأريد، لو أنني أملك خطة واضحة بخصوص المستقبل. خطة ما، يسهل تنفيذها. أو حتى لو أن مسؤولية تنفيذها كانت جماعية، بحيث لا أكون وحدي مسؤولاً عنها.

وأريد، لو أنني أرحل عن العالم قبل الذين أحبهم. كنت محظوظاً بحيث لم أجرب فقد الأحبة كثيراً. أخاف هذه اللحظات. أخافها أكثر من خوفي من رحيلي الشخصي.

وأرجو، لو كان رحيلي سهلاً، سلساً. بسرعة دون ألم يخصني أو يخص الذين سيملكون وقتاً وقلباً للتألم على رحيلي.
وأريد أن يسامحني بعض الأشخاص، ويحبني بعضهم، ويكرهني بعضهم، على أن تكون الأفعال السابقة حقيقية جداً، لا زيف فيها ولا ادعاء.

وأريد أن أفهم الحب، لأنه معقد جداً جداً، أفهمه أولاً، ثم أجده لاحقاً، فلم أعد متأكداً من أني صادفته سابقاً، من فرط تعقيده وغموضه وتركيبه، لو أن الحب بسيط. لو!

وأريد أن أحتفظ بذاكرتي، النسيان يواجهني الآن، يهاجمني بشكل مبكر جداً، أنسى الأماكن، والبشر، والمواقف، لا أريد أن أنسى لاحقاً أي شيء جميل، وأن تستمر صداقتي بأصحاب الذاكرة القوية، يذكروني وأذكرهم.

لحظة! لا أريد حتى أن أنسى الألم. لا أريد أن أنسى بشكل عام.

أريد مزيداً من الحكايات. ذات النهايات السعيدة، وأريد لو أن ما سبق في حكايتي، محدود الأخطاء والخسائر.
وأود لو أتخلص عموماً من القلق والنزق، الحقد والحسد، الشر والشره، الكره والكسل، وأريد لو أبتعد عن القتل، قاتلاً، مقتولاً، أو شاهداً عليه. لو يختفي القتل عموماً، هذه مسأله مفيدة للعالم لو يعلم، تخصه أكثر مما تخصني.

وأريد، لو أن كل ما أريد، لا يزعج أحداً سواي. لا يؤذي غيري. لو أن الناس عموماً تنبسط، وتظل مبسوطة، لو أن السعادة متاحة للجميع.

نقلًا عن موقع “كسرة”

اقرأ أيضًا:

براء أشرف يكتب: دعاء ركوب الثورة

براء أشرف يكتب: حافظوا على نظافة المبولة

البراء أشرف يكتب: عن الاضحاك كمسألة سخيفة

16 تصريحًا لنجيب ساويرس مع خالد صلاح أبرزهم: إخواتي قاطعوني بسبب الإخوان

شوبير لأديب: شعرك وقع من قلة فوز الزمالك

 تعليق السيسي على غرق الطفل السوري “مضروب”‎ 

أبرز 10 تصميمات نعت الطفل السوري إيلان كردي

تفاصيل التقاط صورة الطفل السوري على شواطئ تركيا

سما جابر تكتب: لماذا برع نجوم “شوك توك” في تقليد وائل وريهام؟

بالصور ..8 معلومات عن الطفل السورى الذى أوجع قلوب الملايين

محمد عبد الرحمن يكتب: لماذا حققت صورة الطفل السوري كل هذا الانتشار؟

والد الطفل السوري يروي تفاصيل المأساة

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا