إسلام وهبان
كأنه خرج لتوه من أحد الحكايات الغرائبية لـ “ألف ليلة وليلة”، لا يمكن أن تعرف لأي زمان أو مكان ينتمي، فقط يأسرك بحكاياته وأفكاره عن الحياة والفن والتاريخ، فلا تستطيع أن تفصل في أعماله بين الخيال والواقع، حتى في حديثه عن نفسه.
ينتمي طارق إمام إلى طراز فريد من المبدعين، فهو ليس مجرد كاتبا وروائيا متميزا، بل فنانا يعشق التجريب وتحليل الحياة بكل تفاصيلها، ولا يمكنك بسهولة تحديد نوع الكتابة التي يقدمها وذلك منذ عمله الأول، فأنت أمام نصوص تمزج بين الشاعرية والنظرة الفلسفية ومحاولة تحليل الواقع ولا يخلو ذلك من التخييل حد الغرائبية.
عرف “إمام” لأكثر من 25 عاما بإخلاصه للأدب وللكتابة، لكن من يتتبع مسيرته يجد أن هناك وجوه أخرى لصاحب “مدينة الحوائط اللانهائية” تتلاقى بشكل أو بآخر مع إبداعه الأدبي.
– طارق إمام.. العاشق للرسم
لم تكن الكتابة هي الموهبة الوحيدة التي شغلت اهتمامات طارق إمام، فمنذ نعومة أظفاره وهو شغوف بالرسم، وكانت عائلته تنتظر ميلاد رسام كبير، إلا أن حبه للأدب جعله لا يريد سوى أن يكون كاتبا، واستطاع في سن مبكرة أن يدخل عالم النشر، وذلك بمعاونة الشاعر والناقد حلمي سالم.
ورغم إخلاص “إمام” للكتابة إلا أنه لم ينس حبه للرسم، فقدم للأطفال من خلال سلسلة “كتاب قطر الندى”، التي ترأستها الناقدة زينب العسال، كتاب قصصي تحت عنوان “ملك البحار الخمسة”، عام 2000 والذي يمزج بين الحكاية والرسومات الكرتونية وذلك بريشة الفنان التشكيلي عصمت داوستاشى.
شغف طارق إمام بالرسم، دفعه للاهتمام بفن الكوميكس، فشارك في العديد من الورش والمهرجانات حول فن الكوميكس، كما قدم خلال عمله الصحفي العديد من الملفات والموضوعات حول فن الكوميكس، فضلا عن صفحته في مجلة ماجد التي كان يشاركه فيها الفنان هيثم السعد، تحت عنوان “عملق وعقلة”.
– الحريف
يحكي طارق إمام أنه كان مولعا بكرة القدم، ليس فقط كمشجع بل كلاعب ماهر، عاشقا للمراوغة والتهديف، ولم يثنه عن البقاء في الملاعب سوى حبه للأدب واعتياده التدخين بشراهة، لكنه لم يتخل عن حبه للنادي الأهلي فهو مشجع أهلاوي صميم.
وعلى الرغم من ابتعاده عن ملاعب كرة القدم منذ سنوات عديدة، إلا أنه لا زال يعشق مراوغة النصوص واللعب بخيوط وتكنيكات السرد في أعماله الأدبية، ويعرف جيدا كيف يحرز أهدافه ويفوز بأكثر من 7 جوائز أدبية محلية وعربية ودولية وهو دون الخمسين، ويصبح أحد رواد جيله.
– أحب النقاد ولست منهم
أول لقاء جمعني بطارق إمام، كان في مناقشة المجموعة القصصية “لم ينجح أحد” للكاتب والإعلامي الدكتور محمد فتحي، وكان المنوط بمناقشة العمل، ولكن على عكس الكثير من المناقشات الأدبية التي أحضرها، والتي تعج بأسئلة ساذجة وتعليقات غير مفهومة، وجدت طارق إمام يقدم دراسة نقدية بديعة وغير متكلفة وبعيدة عن الشكل الأكاديمي التقليدي والمقعر الذي يستخدمه العديد من النقاد. وتكرر ذلك في أغلب المناقشات التي حضرتها له حتى في المناقشات الأونلاين التي فرضتها علينا جائحة كورونا، ورغم امتدادها لأكثر من ساعتين، إلا أنه يقدم كل مرة وجبة أدبية ونقدية ثرية وشيقة لا يمل منها القراء بل يتطلعون إلى المزيد.
يكره “إمام” التقليدية والتكرار ويحاول دائما ألا يكون من “حفظة النقد” الذين لا يستطيعون مواكبة تطور الرواية العربية، وينظر للنقد كنوع من الإبداع يتطلب مزيدا من الفهم والتجريب وعدم تكرار المصطلحات والأفكار النقدية التي لم تعد لتناسب العصر الحالية.
وعلى الرغم من محاولته الدائمة للتجديد والاشتباك مع النص من منظور عصري، إلا أنك حين تقرأ مقالاته النقدية المنشورة في المجلات والدوريات الأدبية لن ترى سوى ناقدا متمكنا من أدواته وأسلوبه النقدي، لكن دون الوقوع في فخ التكرار والتقليدية.
وأعتقد أن دخول “إمام” لمجال النقد مبكرا حينما اعتمده الأديب الراحل جمال الغيطاني، ناقدا بجريدة أخبار الأدب، حينما نشر مقاله الأول في 1995، كان سببا في تطور الحس النقدي بنفس تطور الحس الإبداعي لديه.