إيمان مندور
هناك عبارة منسوبة للمؤلف الإسباني ميغيل دي سرفانتس، تقول “الشهرة بلا فائدة لا تساوي شيئا”. وقد اختارنا البدء بها لأنه من الجيد إسقاطها على الواقع الحالي الذي نمر به مع العديد من المشاهير، الذين أصبحت شهرتهم “بلا فائدة”، بل تكاد تكون مقتصرة فقط على الحديث عن التصريحات المثيرة للجدل والزواج والانفصال والأسرار الشخصية التي لا يجب أن تخرج عن إطار العائلة.
البداية مع مذيعة عاشقة للشهرة، عاشقة لجذب الانتباه، تقول إنها نموذج للجمع بين الثقافة والجمال، لكنها في الواقع نموذج للجمع بين استعراض الجسد وادعاء الأهمية، تتاجر بكل شيء لأجل الشهرة، فمثلا تتباكى لتعرضها للتنمر في طفولتها بسبب عدم إجادتها نطق حرف “الراء”، لكنها تجد فكرة الألقاب التي يطلقها المصريون مثالا للفكاهة والتندر و”اللطافة والعشم”، واستعرضت أمثلة لفتاة والدها تاجر فول يلقبونها بـ”سوسة” وآخر “الزفر” لأن والده تاجر سمك، وثالثة “بورُّق” لأن عيونها شديدة الاتساع… إلى آخره. كل هذه الأمثلة وجدتها المذيعة مثالا للتندر والفكاهة المصرية، لكن السخرية من لدغتها في حرف الراء شكّلت معاناة وقسوة وتنمر لا تزال تبعاته تؤثر فيها!
تعلن طلاقها، وبعد ساعات تتحدث عن فشلها في الانتحار بسبب المرض النفسي، وبعد ساعات تخرج في أبهى صورها على التلفزيون للحديث عن التجربة، وتدخل في تراشق لفظي مع فنانة انتقدت حديثها عن الانتحار، لتصفها بـ”الجاهلة” لأن المرض النفسي ليس عارًا ولا بد من التوعية بمخاطره وكيفية التعامل مع المصابين، رغم أنها هي نفسها حين أرادت انتقاد بعض المتابعين وصفتهم بـ”المكتئبين”، كاتبة نصا: “صفحات الفيس بوك تعكس أمراضا نفسية شديدة التعقيد، لأناس يبدون على أرض الواقع طبيعيين.. مكتئبين ومدعي اكتئاب للفت الأنظار وشحذ الاهتمام وكلاب شهرة….”.
المفارقة أن منشور الانتحار والمرض النفسي كتبته في 10 يونيو 2022، ومنشور وصف “الشتّامين” بـ”المكتئبين” بتاريخ 10 يونيو 2018، أي 4 سنوات بالضبط بين انتقاد الشيء والوقوع فيه!
تتهم الممرضات بسرقة مصوغاتها حين تم نقلها للمستشفى بعد محاولة الانتحار، وبعد تصاعد ردود الفعل ضدها تتراجع وتعتذر وتقول إن مساعدتها أبلغتها اليوم أن المصوغات معها، أي أنها عادت لوعيها وخرجت للإعلام وأصبحت صحتها جيدة وتنتقد هذا وتسب ذاك، وكل ذلك لم تخبرها مساعدتها بالأمر، ولم تسألها هي بالأصل ولم تسأل أحدا في المنزل، فقط اكتفت باتهام الممرضات باعتبارهن يليق بهن السرقة والأولى بالاتهام.
تتحدث عن الانفصال والطلاق وإنقاذ زوجها لها من الانتحار، ثم يعود هو فيصفها بـ”الطفلة الحساسة سريعة الغضب”، على طريقة عريس كفر الدوار الشهير، بينما يصف نفسه بـ”الريفي العرباوي صاحب الدماغ الصعبة المتمسك بعادات وتقاليد مختلفة تماما عن نمط حياتها”، طالبا منها الصلح وحل مشاكلهم بـ”الحب”.. كل ذلك على السوشيال ميديا، كل ذلك علنا، كل ذلك أمام الجمهور!
تختلف فنانة مع زوجها الفنان، وبدلا من إنهاء الخلاف تقوم بإلغاء متابعته على السوشيال ميديا. رد فعل غريب من أغلب المشاهير، وكأنه أصبح علامة الخصام بين المتحابين، فلتقاطعيه فيما بينكما ما علاقة التعبير عن ذلك علنا؟!.. يدعمها شقيقها (أو يستغلها.. ليس مهما) فتسبّه فيرد عليها، فيعتذر زوجها، فتعود لمتابعته، فتقوم صديقتها الفنانة بسب المنتقدين الراغبين في “اللت والشماتة”، واصفة إلغاء المتابعة بأنه “حاجة طبيعية بعد الخناق”. والسؤال من منح الكارهين أصلا فرصة الشماتة في خلاف عادي بين زوجين؟! هل كانوا سيعلمون شيئا عنه لو لم يتحدث الطرفان؟
المثال الأخير: فنانة شابة، شهرتها في طفولتها أثرت على نجوميتها في مرحلة النضج والشباب، لم يعد أحد يتذكر عنها شيئا سوى إعلان ارتباطها وانفصالها عن زوجها لعدة مرات، لدرجة أن الجمهور لم يعد يتذكر متى ارتبطا ومتى انفصلا، حتى إن زوجها دخل في خلافات ومشاحنات مع الفنانين وصلت حد القضايا، وفي النهاية يتحدث كليهما عن أهمية احترام الخصوصية واحترام حياتهما الزوجية، رغم أن زوجها في آخر منشوراته عنهما أكد أنه “تمت الدخلة” ولن يتحدث عن حياتهما الخاصة حتى تظل فيما بينهما، هو فقط يخبر الجمهور بأمر الدخلة “عشان يفرحهم معاه” على حد تعبيره.. تناقض غريب ومريب للغاية.
لذلك السؤال هنا: لماذا لا يعيش المشاهير حياتهم الزوجية فيما بينهم؟! هل كان سيعرف الجمهور بما يحدث في الغرف المغلقة دون أن يتحدثوا عنه؟! لماذا تنتقد طعنك من الجمهور وأنت من منحتهم السلاح بيدك؟ إذا كنت لا تريد التدخل في خصوصياتك لا تنشرها على الملأ من باب أولى، ولم يعد من المقنع جعل الجمهور والصحافة “شماعة” جاهزة للانتقاد في مثل هذه المواقف، لأن الشهرة لا تتجزأ؛ لا يمكن أن تقول خذوا عني أشياء معينة ولا تأخذوا ما لا أريد. لا تقول سأتحدث عن أسراري الشخصية لكن لا تداولوها ولا تعلقوا عليها ولا تنتقدوها.
لا تتخذ من حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي منصة للتعبير عن آرائك وتوجهاتك وعلاقاتك، وحين تتناقل الصحافة والجمهور أمرًا مما قلت ويكون لديك رغبة في انتشاره تصمت بل وتتفاعل بالإعجاب والتعليق وإعادة النشر ممن تناقلوا الأمر عنك، وحين يكون شيئا كتبته وسبب لك انتقادات تقول لماذا تنشره الصحافة أصلا ولماذا يعلق عليه الجمهور؟! رغم أنه كان من باب أولى أن توجه السؤال لنفسك: لماذا قلته بالأصل؟
الخلاصة، ليس من الحكمة انتقاد رد فعل الجمهور (حتى ولو كان خاطئا) دون الالتفات أولا للفعل نفسه، وصحيح أن الشهرة لا تتجزأ، لكنها إن كانت “بلا فائدة” في عمومها لم يعد أي جزء منها مهمًّا، خاصة إن كان معظمها يدور حول الحياة الشخصية.. أو بتعبير أدق “الحياة الزوجية”!