رباب طلعت
جدل أثير منذ ليلة أمس الجمعة، بسبب تصريح الطبيب الشهير حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة للقلب والأمراض الباطنة في القصر العيني، قال فيها إنه لاحظ أن المرض النفسي لا يصيب المؤمن، ما يتناقض مع الشائع والمعروف من دراسات الطب النفسي، مما وضعه في مرمى الانتقادات، ،وخالفه الرأي متخصصون في علم النفس والطب النفسي، فما القصة؟
حسام موافي.. طبيب “الكل حاجة”
قبل الولوج في الأزمة، يجدر التعريف بالدكتور حسام موافي، فهو أحد أشهر الأطباء على شاشة الفضائيات المصرية، حيث إنه واثنين آخرين، كيرًا ما يتم استضافتهم للحديث عن أمور طبية، مرتبطة بمجالاتهم أو بغيرها، ليتحدثون عن الأمراض النفسية والجلدية والقلب والسمنة وكل شيء، ويتخذهم الكثيرون مرجعًا طبيًا ذو ثقة لهم بمبدأ “ما هما بيطلعوا في التلفزيون”.
الطبيب الشهير، تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة، وهو أستاذ وطبيب متخصص في الحالات الحرجة بالقصر العيني، وحصل على عضوية في عدد من الجمعيات الطبية المتخصصة، بالإضافة إلى شهادة “البورد” من المملكة المتحدة، وشغل منصب عميد كلية الطب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وبعدما زاع صيته بشدة خلال السنوات الماضية، أصبح له برنامجًا خاصًا اسمه “ربي زدني علمًا” على شاشة “صدى البلد”، يتحدث فيه على طريقة الدكتور الشهير مصطفى محمود عن العلم في قالب ديني.
ذلك الأمر كان محل انتقاد، ليس بعد ذلك التصريح فقط، بل لتصريحات أخرى تتعلق بالدين والعلم، بدون تأكد من صحتها.
المؤمن لا يصاب بمرض نفسي
في حلقة الجمعة 17 يونيو، ظهر “موافي” في برنامجه “ربي زدني علما” ليتحدث عن أمراض الكلى والكبد والغدد والتدخين والمرض النفسي، كل تلك التخصصات في حلقة واحدة فقط، ليفجر التصريح الأبرز: “أكتر الشعوب إصابة بالمرض النفسي أمريكا، أغنى مليون مرة، والمرض النفسي لا علاقة له بالحالة الاجتماعية، ممكن يجي لي واحد مش لاقي ياكل وميصابش بمرض نفسي، واللي لاحظناه إن القريب لربنا بعيد عن الأمراض النفسية”، والذي وضعه في مرمى الانتقاد بشكل جدي هذه المرة، نظرًا لأنه خالف مساعي الأطباء النفسيين خلال الفترة الماضي بإزالة مخاوف الناس من العلاج النفسي، ورفع الحرج عن المرضى، وتشجيعهم لتلقي العلاج اللازم قبل أن يقدموا على الانتحار أو الجريمة، حيث بات كلاهما سببًا واضحًا ومذكورًا بشدة في أكثر الحوادث “الترند” على السوشيال ميديا، وغيرها الكثير.
ومن أبرز الردود التي انتقدت تصريح “موافي” كان رد الكاتب والدكتور محمد طه، الكاتب والمفكر واستشاري الطب النفسي، والذي هاجم ربط المرض النفسي بوصم ديني بأن المصاب به غير متدين، أو لم يبذل مجهودًا في التقرب من الله، وغيرها من الأمور التي تحمله عبئًا أكبر من مرضه النفسي، ما يدفعه للانتحار، مؤكدًا أن المرض النفسي متعلق بتغييرات كيميائية في المخ، ومثله كأي مرض جسدي يعاني منه الإنسان، لا علاقة بالتدين به.
المرض النفسي والتدين.. جدل أزلي
ليست تلك المرة الأولى التي تثار أزمة حول المرض النفسي والتدين، فلا تمر حالة انتحار، أو جريمة يكون مرتكبها مريض نفسي، وما إلى ذلك من نتائج الاستسلام للاكتئاب والمرض النفسي إلا ويثار نفس التساؤل “هل للتدين علاقة بالمرض النفسي؟”، وعلى الرغم من محاولات الأطباء النفسيين على مدار سنوات إنكار ذلك إلا أن الخلاف ما زال قائمًا، حتى إن البعض يلجأ لنصيحة المريض النفسي بتلاوة آيات للهم والغم، مؤكدين على فعاليتها في إزالته.
فيما كانت هناك محاولات لبعض علماء الدين، والأزهر الشريف، في التوعية بأنه لا علاقة بالمرض النفسي والتدين، وأبرزها مقال نشره موقع الأزهر الشريف في 2019 بعنوان “علماء الدين: على المجتمع أن يتخلَّى عن نظرته للمرضى النفسيين”، جاء فيه “غير أن الوصمة التي تطارد المريض النفسي فرضت نفسها وجعلت صاحبها يعزف عن الذهاب للطبيب النفسى للعلاج، وهو ما ترفضه الشريعة الإسلامية، ويؤكد علماء الأزهر الشريف، أن الإسلام جاء برسالة خالدة ومنهج سليم يداوي النفوس ويعلى الهمم ويزكي النفوس ويقودها نحو نفس تليق بعبوديتها لربها عز وجل”.. تأكيدًا على ضرورة العلاج النفسي، وعدم وجود صلة بين التدين والمرض النفسي، وأشار المقال إلى أن ما يطالب به المسلم أن يحاول أن يبعد عن عقله الأفكار السلبية بالإيمان بقدر الله، ولم يذكر أحد من علماء الدين في التقرير أن سبيل العلاج هو التقرب من الله فقط.
وكرأي مقارب لما ذكره المقال السابق، نشر موقع “bbc العربية” في 2017، تقريرًا عن علاقة التدين بزيادة فعالية العلاج النفسي، حيث استعرض التقرير تجربة لهيئة الرعاية الصحية الوطنية “ان اتش اس” في بريطانيا، التي بدأت وقتها بتنفيذ مشروع بدأ استنادا إلى أحد الأبحاث التي أُعدت في جامعة ليدز البريطانية، يتعامل مع أثر الدين الإسلامي في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية، “يظهر إشارات فردية على نجاح تلك الطريقة”، حيث أكدت النتائج أن بعض المرضى وليس جميعهم، ساهم حثهم على ممارسة شعائرهم الدينية تحسنًا في فعالية العلاج النفسي الذي يتلقونه، ولم تذكر الدراسة أن إقامة تلك الشعائر كافية للعلاج.