في خاتمة كتاب “الأب الغني والأب الفقير: ما يعلّمه الأثرياء ولا يعلّمه الفقراء وأفراد الطبقة الوسطى لأبنائهم عن المال!” لروبرت ت. كيوساكي بالاشتراك مع شارون ل. ليشتر الصادر عن مكتبة جرير بالرياض سنة 2007، ترجمةً للأصل الإنجليزي الصادر عام 1997 بعنوان Rich Dad Poor Dad: What the Rich Teach Their Kids About Money That the Poor and Middle Class Do Not!، نقرأ: “نحن اليوم في حاجة لمقدار أعظم من الذكاء المالي حتى لا نواجه العثرات. والفكرة القاضية بأن الأمر يتطلب منك مالاً لكسب المال هي فكرة لا تلقى رواجاً إلا عند البسطاء. ولست أعني بذلك أنهم لا يتمتعون بالذكاء، بل ما أعنيه ببساطة هو أنهم لم يتعلموا علم كسب المال. فالمال فكرة ليس إلا. فإن بغيت الحصول على مال أكثر فما عليك سوى أن تغير من تفكيرك. فكل العصاميين ابتدؤوا صغاراً بفكرة، ثم حولوها لشيء عظيم. والأمر ذاته ينطبق على الاستثمار، إذ لا يتطلب سوى قلة من الدولارات لتبدأ بها وتنميها لثروة”.
يواصل السيد كيوساكي في الخاتمة: “ولكم قابلت أناساً أنفقوا حيواتهم يطاردون الصفقة الرابحة، أو يحاولون مراكمة المال ليوجهوه إلى صفقة ضخمة، وهذا ما بدا لي حماقة. وكثيراً ما رأيت مستثمرين مبتدئين وضعوا جميع استثماراتهم في سلة واحدة، وسرعان ما ضاع أغلب ما معهم. ولربما كانوا موظفين مجتهدين، لكنهم ليسوا بالمستثمرين المحنكين. إن كلا من التعليم المالي والبصيرة المالية يعد مهماً. فلتبدأ مبكراً، ولتبتع كتاباً، ولتحضر فصولاً دراسية، ولتمارس الأمر بنفسك، ولتبدأ بدايات صغيرة… (لقد) شرعت في التعليم طفلاً، وأشجعك على التعلم لأنه ليس عسيراً كما تظنه. وفي الواقع، سيضحي هيناً فور إقدامك عليه”.
مثل الكتب التي على ذات الشاكلة، يَعِد روبرت كيوساكي قارئه إذا أصغى إلى ما يقوله ومارسه عملياً بالثروة لكنه لا يَعِدُه بالشهرة، بل إن المؤلف – مثل زملائه في المجال نفسه – لا يبدو مهتماً بالشهرة إلا بقدر ما يمكن أن تهبه الشهرةُ من المالَ، وهو قدْر معتبر على كل حال بالنظر إلى حجم مبيعات كتبه. ولكن القول بأن شهرة الرجل كمؤلف هي ما أتاح له مبيعات هائلة جمع من خلالها ثروة طائلة هو قول يدحضه السيد كيوساكي ابتداءً من خلال رفضه الفكرة القاضية “بأن الأمر يتطلب منك مالاً لكسب المال” ويصفها بكونها “فكرة لا تلقى رواجاً إلا عند البسطاء”. فإذا كانت الثروة تُصنع مما يشبه العدم، فمن باب أولى أن تكون الشهرة كذلك، بل إن قياساً مماثلاً (لمقولة كسب المال يتطلب المال) يدفع أحدهم إلى القول بأن الأمر يتطلب منك شهرة لكسب الشهرة يبدو قياساً فاسداً في الأساس، إلا ما كان على اعتبار أن تحقيق الشهرة يفضي إلى ترسيخها ومضاعفتها، وهو على الأرجح ذات المراد من الفكرة القاضية بأن كسب المال يتطلب مالاً. هذا، ويظل التحدّي العظيم مطروحاً على صعيدَي المال والشهرة، بل على كل صعيد، وممثلاً في كيفية تحقيق الإنجاز الأول بحيث تصبح التحديات التالية ممثلَّة في كيفية المحافظة على الإنجاز المتحقق ومضاعفته.
قد يكون من المجازفة القول بأن الشهرة تراود الفقراء أكثر مما تراود الأغنياء، ولكنها مجازفة مغرية، مع ضرورة الانتباه بطبيعة الحال إلى تقييد القول بالامتناع عن إطلاقه على أي مستوى، فالاستثناءات متاحة في كل الأوقات وعلى كافة الصعد.
الشهرة لدى الفقراء إجمالاً مرادفة لمجموعة من المعاني البراقة يعتلي الثراءُ على الأرجح مقدّمتَها، إنْ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فالشهرة قد تكون مدخلاً مباشراً إلى الثراء من خلال عائد مالي مرتفع يدرّه الذيوعُ في مجال عمل بعينه سواءٌ أكان ذلك المجال صنعة تقليدية أو حقل احترافي مرموق أو غير ذلك من المجالات التي لا يحصيها مقام عابر. والشهرة قد تكون مدخلاً غير مباشر إلى الثراء عندما تكون مثلاً على صعيد المكانة الاجتماعية في أي محيط، فتجرّ بذلك على صاحبها من موارد الرزق بسبب تلك المكانة ما لم يكن متاحاً بدونها.
لكن الأهم فيما يتعلق بأحلام شهرة الفقراء هو التعويض العظيم عن الحاجة إلى المال عندما لا يكون في إمكان محيط دائرة الشهرة – مهما يبدُ واسعاً – أن يحتوي المال إلى جوار ما يحتويه من مكانة اجتماعية أو قيمة ثقافية أو سطوة سياسية على سبيل المثال.
في المقابل تبدو الثروة في كثير من الأحيان كفيلة بأن تشغل أصحابها لا نقول عن “ترف” الشهرة وإنما عن “عُقدتها”، بحيث تظل الدوائر المخملية التي يتحرك في محيطها الأثرياء تجسّد المعنى الحرفي والواقعي للترف الذي يبدو كلُّ شيء بإزائه أقلّ جاذبية، وذلك باستثناء واضح لحالتين: الأولى أن تكون الشهرة مدخلاً إلى الحفاظ على ثروة آيلة للسقوط أو إلى مضاعفة ثروة باتت متضائلة بالنظر إلى ثروات منافسين جدد أو آخرين قدامى، والثانية أن تشكّل الشهرة مخرجاً مسلّياً من دوائر الملل التي لا يسلم من الوقوع في أسرها حتى الأثرياء على غير ما يغري ظاهرُ الحال الفقراءَ بالخيال.
تشكّل الشهرة للفقير على الأرجح غاية جديرة بالتقدير حتى بعد اقتناصها. وإذا استثنينا تأثير العوامل الفردية شديدة التباين، فإن جوهرة الشهرة بالنسبة لمن قنصها بعد كفاح مرير مع الفقر تظل ثمينة لا تقلّل من قيمتها مدعاةٌ مثلما قد تفعل تخمة الثراء. أما الذي قنص الشهرة بعد الغنى، وبعيداً مجدداً عن تأثير الفروق الفردية، فالأغلب أن تظل الشهرة بالنسبة له مجرّد زينة لا قيمة لها دون أن يكون مرتدياً لباسَه الأساس من الثروة.