إيمان مندور
في موسم ترينداتي إجرامي بامتياز، أصبح السؤال الذي يتردد على ألسنة الجميع طوال الوقت: هي الدنيا جرالها إيه؟ مبقاش في خير في الدنيا؟!
سؤال منطقي وإحساس طبيعي لا مفر من الشعور به بعد كم الحوادث والجرائم التي نطالعها عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تحوّلت بسبب بشاعتها لقضايا رأي عام في الأشهر القليلة الماضية.
تستمر الجرائم، وتستمر البشاعة، ويستمر التساؤل مصحوبًا بتخوفات من المستقبل الذي يبدو أنه في طريقه لحالة عامة من اللإنسانية، إلى أن يظهر بريق أمل ودليل حقيقي على أن “الدنيا لسه بخير” بل وأنه يتم تقدير هذا الخير والثناء عليه، من خلال البرنامج البحريني “كفو”.
للأسف مع زحمة الموسم الرمضاني بالمسلسلات والبرامج والإعلانات، لم ينتبه كثيرون -وتحديدا في مصر- لوجود برنامج إنساني من الطراز الأول على تليفزيون البحرين. برنامج تتزايد أصداء نجاحه عربيًا يوما بعد الآخر رغم انتهاء عرضه بانتهاء الشهر الفضيل، لكن المقاطع المؤثرة للبرنامج تزداد انتشارًا حتى الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما تطبيق تيك توك.
ما البرنامج؟ وما فكرته؟
تقوم فكرة برنامج “كفو” على تكريم أصحاب المواقف الإنسانية الخالصة، الذين يتمتعون بحب الخير وروح العطاء والتضحية والإيثار، ولديهم تجارب صادقة في إسعاد ومساعدة الأخرين، حيث قدم البرنامج على مدار 15 حلقة نماذج طيبة من رجال ونساء وشباب وأطفال البحرين ومجتمعها الأصيل، بروحه وهويته وتقاليده وإنسانيته المتوارثة عبر الأجيال.
النماذج المتميزة المختارة للتكريم يتم دعوتها لحضور لقاء أو تجربة جديدة لا تنبئ على الإطلاق بأي تكريم ولا يكون الضيف على علم بها، ويتم تجهيز المكان المخصص للدعوة بالكاميرات واستعدادات “المقلب”، لكنه هذه المرة مقلب في الخير إن جاز التعبير، حيث يفاجأ الضيف بأشخاص يمرون يحملون حقائب عليها صورته، ولافتات باسمه، مرفقة بجمل مثل “أنت بطل” و”أنت كفو” و”نفخر فيك”، ثم يبدأ عرض لقاءات مصورة مع أشخاص ساعدهم هذا الضيف وكان له أثرًا إنسانيًا بالغًا في حياتهم، ويتم تكريمه في ممر شرفي في النهاية.
تنوعت النماذج المعروضة في البرنامج بين شخص تكفل بأجيال عديدة من الأيتام لسنوات طويلة على مدار حياته، وشاب تبرع بجزء من كبده لطفلة، وآخر تبرع بكليته، وأستاذ درّس أجيالا عديدة وكان يتقن عمله ويستمر بعد انتهاء اليوم الدراسي في تعليم الطلبة المحتاجين بدون مقابلهم ويعاملهم كأب وصديق، وأم وجدت طفلا بلا مأوى ولا أسرة فتكفلت به وفتحت له بيتها وقلبها واعتبرته ابنا من أبنائها لمدة 30 عاما حتى أصبح بطلا في رياضة كمال الأجسام، وآخر تعافى من الإدمان وتحولت حياته للنقيض بمساعدة الأخرين على الإقلاع عن الإدمان… وغيرها من النماذج الحقيقية للعطاء الإنساني بلا مقابل.
البرنامج مؤثر لدرجة أن الضيوف جميعا يبكون من المفاجأة و”المقلب” الذي يدل على المحبة والتقدير لما بذلوه من عطاء، ومؤثر أيضا في المشاهدين الذين تحتاج تعليقاتهم على حلقات البرنامج لدراسة مستفيضة لإدراك مدى نجاحه ودوره في التأثير على حياتهم، فمنهم من طالب باستمرار هذه النوعية من البرامج لأنها “تذكره بإنسانيته وتشجعه على العطاء”، وأخرون كتبوا أنهم فكروا جديا في كفالة الأيتام ورعايتهم بسبب حلقة خليل الدليمي الملقب بـ”أبو الأيتام”.
لا أدري من صاحب فكرة برنامج “كفو”، لكنه في كل الأحوال يستحق التكريم مع فريق العمل بأكمله. يستحق التكريم أولًا لأنه غيّر فكرة برامج “المقالب” وقدّمها بشكل إيجابي غير معتاد بهذه الاحترافية من قبل. وثانيًا لأنه صنع أملًا حقيقيًا لدى المشاهدين من كل دول الوطن العربي بأن “الدنيا لسه بخير”، وأنه لا يوجد تعب أو عطاء يذهب هباءً، بل أصحابه مكرّمون ومكانتهم محفوظة في المجتمع. وثالثًا لأنه شجّع وحفّز الشباب على العطاء والاستمتاع به.
في النهاية، هذه النماذج الطيبة ليست في البحرين فقط، بل موجودة في كل الدول. فقط تحتاج لتقديرها وإظهارها والثناء عليها لتشجيع الشعوب على إظهار النماذج الإيجابية والتركيز عليها من بين غبار الجرائم والتريندات المأساوية المتلاحقة، فالخير والشر سواء في كل مكان، المهم كيف تواجه الشر وكيف تدعم الخير؟! ويبدو أننا أدمنا التنديد بالشر لدرجة تحويله لحالة عامة من التشاؤم والقلق!
والأهم من كل ذلك أن البرنامج أثبت أنك لست بحاجة إلى أن تكون بطلا قوميا أو بطلا مشهورًا لكي تكون معطاءً، بل يكفيك أن تكون إنسانا وتساعد ولو شخصًا واحدًا.. أو كما جاء على لسان إيميلي ديكنسون: “إذا استطعت أن تحسن حياة إنسان واحد، أو تخفف ألمًا واحدًا، أو ترشد طائرًا إلى عشه.. ما ذهب عمرك سدى”.