منذ أن رشح الفنان هاني شاكر نفسه لمنصب نقيب الموسيقيين، وكثيرون كانوا لا يتوقعون استمراره لدورة واحدة، أو حتى أن يتحمل أعباء نقابة تعاني منذ إنشاءها من حروب وخلافات فلا أحد ينسى أن إنشاء النقابة وتولي سيدة الغناء العربي أم كلثوم مهمة النقيب عام 1942، ولم تمر انتخابات أو يتولى نقيبها المنصب في هدوء.
وقد أشفق مقربون من هاني شاكر وبخاصة أنه رشح للمنصب مرتين وفي الثانية مرت النقابة بسلسلة من المعارك خاضها بعض أعضاءها ومنهم مصطفى كامل الذي نافس معه على المنصب وحصل على 589 صوتًا، بينما فاز هاني شاكر باكتساح محققا 1531.
لا أتمنى أن يعود الفنان الكبير هاني شاكر إلى تلك المهمة لأنه يمثل تاريخا طويلا، ومثل هذه المناصب التي تحتاج إلى نوعية خاصة من البشر يتحملون ضغوط وأعباء تلك المهمة من معاشات ومراقبة لسوق الغناء ومنع ومنح تصاريح.
أخطأ هاني شاكر عندما أتى إلى تلك النقابة وهو يحمل ميراثا ثقيلا من العادات والتقاليد التي تربت عليها الأجيال من الكلمة واللحن والصوت الجميل.
ظن أنه سيحارب بمفرده لمنع ما أصطلح على تسميتهم بمطربى المهرجانات، ولم يتوقع ان هناك من “إختبؤوا له في حقول الذرة”.
أم كلثوم لم تستطع خوض حروب تلك النقابة، برغم قوة شخصيتها ووقوفها حتى في وجه محمد عبد الوهاب نفسه مطالبة غياة بان يحي حفلات خيرية لصالح النقابة.
تولت أم كلثوم مهمة نقيب الموسيقيين وظنت أنها ستكون الأقوى عندما طلبت من أعضاء فرقتها جمع كل الموسيقيين في مكان واحد وكان ذلك في 11 نوفمبر، ولم تكن بحاجة لا إلى منصب أو شهرة، فهى سيدة الغناء العربى والمطربة الأولى آنذاك في العالم العربى، جمعت فرقتها الموسيقية بقيادة عازف القانون الأول محمد عبده صالح، وأعضاء الفرق الموسيقية الأخرى من المصريين فقط، دون العازفين أو الموسيقيين الأجانب، لكي تصبح النقابة خالصة للمصريين 100%.
أسفر الاجتماع بالفعل عن تأليف مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية من أم كلثوم إبراهيم وفتحية أحمد وحياة محمد ورياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمد القصبجي وصالح عبدالحي وفريد الأطرش وعزيز عثمان وإبراهيم حجاج ومحمد عبده صالج وأحمد الحفناوي، وأن يكون كل من عبدالحليم علي والسيد الحملاوي مراقبين ماليين لحسابات النقابة، وفي اليوم نفسه الذي تم فيه انتخاب هذا المجلس.
ويبدو أن النقابة قد بنيت على الانقسامات منذ أول لحظة لتأسيسها وستظل على هذا الحال، فبعد تولى أم كلثوم منصب النقيبة بدأ عبد الوهاب في محاربتها، فكيف لأمرأة أن تتولى منصب نقيبة لمهنة هو أستاذها، فتحولت المعركة من شبه سرية إلى كامل العلنية، وأعلنت أم كلثوم تحديها لعبدالوهاب في الانتخابات، حتى لجأ الاثنان إلى الكاتب الصحفي الكبير مصطفي أمين الذى اقترح أن توزع المهام، وهى أن تمنح أم كلثوم لقب النقيب الشرفي بينما يتولى عبدالوهاب منصب النقيب الفعلي إلا أنها رفضت لرغبتها في تولي منصب النقيب لخدمة النقابة، ورفض عبد الوهاب بشدة ثم عاد مصطفي أمين واقترح أن تتولى أم كلثوم أمانة الصندوق بينما يتولى عبد الوهاب سكرتارية النقابة ولكنه اقتراح لم يأت على هوى أم كلثوم فرفضته.
وفازت أم كلثوم في النهاية بالمنصب لتحتفظ به لسبع دورات متتالية، رغم أن النقابة في بداية عهدها لم تكن نقابة مستقلة، بل كانت نقابة عمالية تتبع وزارة الشئون الاجتماعية، حتى حارب عبد الوهاب مرة أخرى عام 1955 مثلما حارب في إنشائها عام 1942 ليحولها إلى نقابة مستقلة لكن هذه المرة نجح في الاحتفاظ بمقعد النقيب، لكنه استقال بعد أقل من سنة لأنه لم يقوى على الصمود في منصب نقيب الموسيقيين بعد أم كلثوم بسبب عبء المسئولية وتعارضها مع نجوميته وارتباطاته الفنية.
تولى المنصب من بعده الملحن عبد الحميد عبد الرحمن أحد الضباط الكبار في الحرس الملكي حتى عام 1958 الذى أصدر فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا بحل جميع النقابات وإعادة تشكيلها من جديد، إلا أن نقابة الموسيقين لم تعد ضمن العائدين وظلت مجمدة عشرين عامًا.
وفي إحدى الجلسات الودية كانت قد جمعت الموسيقار صلاح عرام بالمهندس سيد مرعى عندما كان رئيسا لمجلس الشعب عام 1978 فعرض عليه شكواه بتجميد النقابة دون أن يحرك ساكنها أحد، وعلى الفور أعادها مرعى للحياة في نفس العام ليتولى منصب النقيب الموسيقار أحمد فؤاد حسن ثم صلاح عرام وحلمى أمين وحسن أبوالسعود الذى شهدت فترته حروبا شديدة من أطراف عدة بسبب التصاريح وكان آخرها تصاريح لروبي بالغناء ثم تصاريح لبعض المطربات اللبنانيات وذهبت بعده رحمه الله إلى منير الوسيمي الذي كان آخر الموسيقيين الذين تولوا مناصبها لتنتقل من الوسيمي إلى إيمان البحر درويش الذى سحبت منه الثقة.. وبتولى شئونها مؤقتا الدكتور رضا رجب لتعود مرة أخرى للموسيقيين.
وشهد المنصب تولى شخصيات لها تاريخ كبير أمثال حلمى أمين الذي كان قد تولي عدة مناصب فنية وصحفية ثم الموسيقار حسن أبو السعود الذي اختير نقيبا للموسيقيين في مارس 2002.
وتدرج في العمل النقابي لنقابة الموسيقيين المصرية حتى صار نقيباً لها ويعد من أهم من حققوا إنجازات بها. ومن انجازاته في منصب رئيس النقابة رفع معاشات الموسيقيين وتحسين وضعهم المادي بعد سن المعاش، وتحسين أداء النقابة من خلال إيجاد مصادر دخل مختلفة عبر تحصيل مستحقات النقابة من الحفلات الكبري.
وموقع نقيب الموسيقيين هو الذي ظل به حتى توفي في يوم الثلاثاء 17 أبريل العام 2007، حين كان يتم نقله على عجل إلى المستشفي اثر هبوط مفاجئ في الدورة الدموية بسبب مضاعفات مرض السكري والوزن الزائد.
برغم كل محاولات البعض ومنهم أعضاء في مجلس النقابة، لا أتمنى أن يعود هاني شاكر إلى مهمة ثقيلة، مهمة تحتاج إلى من يتفرغ إليها ولديه قدرة على مواجهة أمثال مطربي المهرجانات” و”من يتسللون للحصول على تصاريح بالغناء من ممثلين وغيرهم.
ما حدث في اجتماع النقابة الأخير الذي انتهى بتقديم هاني شاكر استقالته، يؤكد بأن نقابة الموسيقيين تحتاج إلى مجلس قوي يستطيع الوقوف في وجه تلك التيارات، مهمة لم يكن لها هني شاكر، مهمة فشل في الصمود ضد تيارات كثيرة بعض من تولوها، ومن ثم عودة هاني شاكر تمثل هزيمة له وليس انتصار، فالانتصار أنه خرج من تلك الدوامة ونجا بعد أن اقترب عمره من السبعين.