شركة النشا والجلوكوز هو الكتاب الواحد والعشرون في مجموع ما كتب عمر طاهر، ومن وجهة نظري هو أحلى ما كتب. الفكرة إن عمر طاهر إختار المرة دي إنه يكتب نص مفتوح، حاجة كدة عاملة زي قعدة مع واحد صاحبك بتتكلموا فيها عن كل حاجة، حكايات قديمة شخصية أو تاريخية، سخرية من بعض مشاهد الأفلام، سياسة، وكلام عن الحب .. والكورة.
عمر طاهر بيتحول بالكتاب دة لصديق لأي شخص بيقرأ الكتاب، شعورك طول ما إنت ماسك الكتاب بإن عمر طاهر موجود معاك وبيحكي معاك في أمور جايز تهمك وجايز لا، بس مش هتخسر حاجة ابدًا لو سمعتها.
أكثر شيء كان مثير للدهشة بالنسبة لي هو قدرة عمر طاهر على إستخدام كلمات مثل “أتذكر” و “بالمناسبة” لتحطيم سياق الكلام وخلق سياق جديد بحكاية جديدة مختلفة تمامًا عن ما قبلها، الرابط ما بين الحكاوي بسيط، فلا علاقة بين الكلام عن الملوخية وبين نصيحة الجدّة في أن يبحث عن الحب أو حتى بين الملوخية وعلاقتها بالفزلكة في الحياة بشكل عام. سياقات عديدة ومختلفة تمامًا عن بعض متجمعين في مكان واحد، زي ما تجمع قطع صغيرة مختلفة الشكل والحجم من البازل وفي النهاية يظهر لك الشكل النهائي متكامل ومتماسك، هو دة بالظبط اللي عمله عمر طاهر في الكتاب دة.
الكتاب بدأ بشكوة الكاتب من زنة سخيفة تسيطر على أذنه، وإنتهى بوصوله للحكمة من الحياة وإنتهاء الزنّة السخيفة، كيف لزنًّة سخيفة أن تصل بالكاتب للحكمة من الحياة بهذا الشكل؟ هذا هو ما يدور عنه كل شيء في الكتاب، كيف يمكن لشيء شديد البساطة يمكن أن يسببه شيء آخر أشد بساطة منه أن يجعلك تصل إلى الحكمة، كيف تستطيع ربط خيوط الأحداث الصغيرة لتشكيل حدث كبير وواضح يجعلك تصل في النهاية إلى الحكمة منه، تمامًا كما وصل عمر طاهر ببساطة إلى الحكمة من مجرد زنّة صغيرة.
أسلوب عمر طاهر سهل على القارئ، وهذا أمر ليس بهيّن، إنت متخيل واحد يقرأ مثلًَا عشرين كتاب علشان يفضل يعصر دماغه ويقدر يستخرج منه ما يمكن أن يجعلك تفكر في أمر يمكن تكون مهملها أو ضاعت ما بين أمور كتير في حياتك تكون شايفها أكثر أهمية، متخيل كمان إنه بيحاول يوصلّ لك الحكمة دي بأقصى مجهود مبذول منه علشان تعرف إنت تلقتها وتستوعبها بأقل مجهود منك؟
لذلك يستحق عمر طاهر كل الشكر والتقدير على ما يبذله من مجهود لكتابة مثل هذه الكتب شديدة العذوبة والجمال. وربنا يخلي له رقية وثناء اللي بالمناسبة أهدى لها هذا الكتاب.
بعض الإقتباسات التى تستحق الذِكر من الكتاب:
“أسوء ما في الحب، أنه لا يأتي أبدًا في الوقت المناسب، وأنه لا ينتهي، وأن وجعه حقيقي لا يكمن في الفراق ولكن في الذكريات، وأنه يجعلك تكتشف أنك غيرت أشياء كانت مهمة في شخصيتك وتخليت عن أشخاص كانوا مقربين وغيرت خطة حياتك الأصلية من أجل شخص لم يعد موجودًا، وأنه يجعلك تفترض أن هذه العلاقة (اتجاه واحد) فلا تحسب حسابًا لنهايتها لأي سبب فتقف فجأة مذهولًا بعد أن كنت تستقل سيارة شخص قرر فجأة أن يتخلص منك في مكان مقطوع ليستكمل الطريق بمفرده .. أما إذا كنت صاحب السيارة فسيجعلك الحب تكتشف قيمة من تحبه متأخرًا أو كما قال رامي صبري “وابتديت أعرف غلاوته لما راح”
“يقول الحكيم كيكاوس بن إسكندر في كتابه “كتاب النصيحة” أو “قابوس نامه” بالفارسية: ” كان الله قادرًا على أن يعطي الضوء بغير الشمس، و المطر بغير السحاب، لكن كان الأمر كله على أساس الحكمة، و لذلك لم يخلق شيئًا بغير الواسطة، لأنه إذا انعدمت الواسطة لم يكن هناك ترتيب، و ما الحكمة إلا القدرة على الترتيب”.”
“صار العمق أمرًا مبتذلًا من فرط ادعائه طوال الوقت، الشخص الذي يصطنع العمق هو أكثر كائن يخشى أن يظهر للجميع سطحيته، أما من يبحث عن البساطة فهو شخص يكافح للهروب من ظلمات عميقة في روحه يخشى أن يورط فيها أحدًا، البساطة هي أكثر الأشياء عمقًا في العالم، البساطة مجرد (شبرين ميه)، لكن(تتعب فيهم سفاين، و تتوه الطيارات) على رأي أغنية الثمانينيات.”
“كيف تصبح خالد حمدي؟ اشترِ بخمسة جنية طعمية وعند خروجك من المحل قم بإلقائها في الطاسة أثناء تحمير البطاطس وقل للبائع: (ما دمت قد خربت حياتك في هذا الركن من العالم فحياتك خراب أينما حللت)”
“الامتناع عن الحركة في انتظار أن يسقط رزقك فى حجرك هو سوء أدب مع الله، فأنت هنا تختبر تقسيمه للرزق، الأدب أن تتحرك وأنت توقن تماماََأن رزقك ليس مكافأة على الحركة لكنه التماس لأسباب دون أن تقع في خطيئة عبادة الاسباب ونسيان المسبب”
“افتح الرادار ولا يقلقك غياب الإشارة، إشارات الله لا تنقطع وهي نعم كبيرة، وهو يقول: لا بد لنعمتي من أخذ، ولو فكرت قليلًا لفهمت الإشارة العظيمة الملهمة في أنه خلق الجنة أولًا ثم خلقك”.