لم تكن حفلة المطربة الشابة وجدان يسري في مسرح الحكمة بساقية الصاوي مجرد حفلة تجمع الموسيقى والصوت الجميل مع انفعالات الجمهور فقط، بل كانت جلسة ود مرت كنسمة باردة في ليل صيف حار، ساعتين كانتا بتحويل المكان لجسم واحد يتمايل على انغام صوت وجدان.
رغم أن وجدان غنت مجموعة من الأغاني المنتقاة بعناية لكبار المطربات والمطربين كالسيدة فيروز وأنغام وعمرو دياب والراحلة الجميلة وردة، إلا أنه كان واضحا بأن روح صوت وجدان يلاحق روح صوت وردة فتتطبعت كل الأغاني بالطريقة “الوردية” المليئة بالقوة والأحساس معا بالإضافة إلى الأنوثة الراقية والدلع الشقي الجميل.
أما الجمهور فحدث ولا حرج، فكان مندمجا معها وكأنها جالسة بينهم رغم بعدها عنهم، ولعل قرب وجدان من الجمهور أدائها الجميل لاغاني وردة والتي كانت بدورها قريبة من الجمهور بل أن العديد من النقاد وصفوها قديما وحديثا بانها “كيتش” أي أنها تستغل الثقافة او الاغاني والموسيقى الراقية لتقدمها بقالب جماهيري قريب من قلوب مستمعيها لتحقق النتيجة المرجوة لدى كل مطرب ألا وهي الانتشار الأوسع، مع الاعتماد على تفاعل ثلاثي الأركان، الأداء والصوت، الفرقة وعزفها، الجمهور وتفاعله.
أما عن صوت وجدان فلماذا يتميز بالقوة؟ فهي على درجة عالية من الاتقان بل أنها تعمل جاهدة لتكون مخلصة للاتقان، كما أنها قادرة على تغطية أخفض وأعلى الدرجات في السلم الموسيقي بكل سهولة، أي أن الجواب يأتي عندها دائما ضعف القرار وهذا ما لا يستطيع عليه العديد من المطربين على الساحة الفنية اليوم والذين يلجأون إلى التقنيت الصوتية الحديثة والإيقاعات العالية من الفرقة لتغطية عدم القدرة على هذا الانتقال والوصول إلى أقصى درجة مطلوبة، بعكس مطربي الزمن الجميل الذي مزجوا هذه القوة باحساسهم الجميل فاقتربوا من جمهورهم بقوة ولا تزال آثار هذا التقرب موجودة إلى الآن.
كما أن تصرفات وتحركات وجدان على المسرح قربتها من جمهورها بل كانت عاملا مساعدا لها لانها تطل بدلع شقي جميل دون أي مبالغة أو استعراض زائف وبعيد عن الابتذال، مما يناسب الحاضرين عامة، واللافت أن جمهورها من كل الفئات، كبارا وصغارا وكهول، وشبان وفتيات وعائلات، وهذا نادرا ما نراه في المسارح باستثناء بعض الفنانين الملتزمين ويبدو أن وجدان ستكون ضمن دائرتهم قريبا إن لم تكن قد دخلتها بالفعل.
والجميل أيضا في الحفلة اللاعب الأساسي الآخر أي الفرقة الموسيقة، والتي انقسمت إلى قسمين، الأول شرقي يتألف من الناي وألة الأكرديون والرق والطبلة، والثاني غربي تألف من الغيتار الكهربائي والدرامز (الطبول) والبيانو الكهربائي، فأتى الانسجام كاملا بينهم ليضفي إلى صوت وجدان جمالية صوتية رائعة وانسجام بين الصوت والألحان الموسيقية التي برع العازفون بتقديمها باجمل طريقة تناسبت مع الأجواء.
وهنا لا بد من التوقف وتوجيه الكلام لإدارة الساقية، فالجو كان حارا جدا ولم تقم الإدارة بتشغيل المكيفات والتي إن تم تشغيل قسم منها فإنها لم تكن كافية مما سبب انزعاجا كبيرا لدى الحاضرين الذين غصت بهم الكراسي مما زاد من سخونة الجو ولولا ولاء الجمهور لوجدان ربما كان خرج الكثير منهم تارين الحفلة ورائهم، حتى أعضاء الفرقة تاثروا بالاجواء الحارة فتصببوا عرقا بشكل واضح وهذا أمر لا يليق بالساقية التي اعتادت على احترام الجمهور.
ولوجدان نقول إنها كانت موفقة ومن يتابعها دائما يرى التقدم المذهل لأدائها وجمال صوتها الراقي المليء بالقوة والدلع، وآن الآوان للتركيز على أغان خاصة تضع بصمات صوتها عليها لتكون بدء مسيرة فنية بمشيئة الرب ستكون موفقة وعلامة لافتة في ساحة الغناء العربي.