إيمان مندور
“أنا من سنتين كنت متخيل إن الغنا زي التمثيل، أنا مثلا هعمل دور نصاب أو مجرم أو طيب في التمثيل.. لقيت إن أنا بعمل ده في الغنا وده مش صح.. لأن لقيت مسئولية جيل محطوطة في رقبتي.. والله من أول ما بدأت أحس بمسئولية وإن الناس بتتأثر بيا اتغيرت ومبقتش بمشي براحتي.. يعني أنا جايلي فيلم دور شاب بيهوى سواقة العربيات ومتهور وبيسوق بسرعة وو.. رفضته عشان خفت حد يتأثر بيا فيسوق زيي فيحصله حاجة.. بدأت أفكر بشكل تاني.. أنا بكبر وبنضج يا جماعة”.
بهذه الكلمات اعتذر الفنان تامر حسني على الهواء عن إحدى أغنياته ذات الإيحاءات الجنسية الواضحة، خلال حواره مع الإعلامي خيري رمضان ببرنامج “مصر النهاردة” الذي أذيع على التليفزيون المصري، بتاريخ 25 أكتوبر 2010.
والآن، وبعد نحو 12 عاما من اللقاء، وبالتزامن مع عرض فيلمه الجديد “بحبك”، الذي يشارك فيه كممثل ومؤلف ومخرج وملحن ومغني، فضلا عن كون الفيلم ككل من إنتاج شقيقه، نتساءل: هل التزم تامر حسني بهذا الاعتذار وبهذه المسئولية التي حمّلها لنفسه بنفسه؟!
(نعم) من حيث التحدث المستمر عن المسئولية، و(لا) من حيث التطبيق العملي لها. إذ نجد تامر الذي نصَّب نفسه مسئولا عن توجيه جيل بأكمله من الجمهور رغم أنه لم يكن وقت اللقاء السابق ذكره قد أكمل عامه الثلاثين بعد، أصبح يعتبر نفسه الآن (وهو على عتبات عامه الـ 45) مسئولا عن جيل كامل من زملائه أيضًا، فلا يترك فرصة إلا ويؤكد من خلالها أنه اكتشف فلان وقدّم علان، ومنح الفرصة لهذا ونجح في إظهار موهبة ذاك؛ من محمد سامي لهنا الزاهد لسارة وفيق لماندو العدل وأكرم فريد وسعيد الماروق وغيرهم. تصرف طيب أن يفعل ذلك، أيًا كانت نيته من فعله، لكن الدلالة الهامة هنا أن تامر بحديثه الواضح والمكرر والعلني بجملة “أنا اللي اكتشفت… وقدمت.. ونجحت في إظهار موهبة…) أصبح يتعامل باعتباره الأكبر والأكثر نجومية. تامر نجم بلا شك، لكن متى أصبح من الكبار؟!
السؤال ليس تقليلًا من مواهبه الفنية سواء في التمثيل أو الغناء، فهو موهوب ولديه نجومية كبيرة، حتى وإن اختلفت أذواق واهتمامات البعض تجاه ما يقدمه، فهو له جمهوره الذي كبر معه على مدار 20 عامًا، لكن السؤال بغرض الانتقال لقاعدة مهمة، ألا وهي “مسئولية أن تكون من الكبار”، لأن الحساب وقتها يكون مختلفًا وأصعب وأكثر شدة، فإذا كان قد تخطى مرحلة “نجم الجيل” ليقدِّم نفسه للزملاء والجمهور كـ”أستاذ الجيل”، مكتشف المواهب، الذي يقدّم النصائح عبر حساباته الرسمية لدرجة أن يطلب من جمهوره استقبال يومهم بسماع بعض أغنياته كي يحققوا نجاحات كبيرة ويشهدوا تطويرا في عملهم، بينما قبل النوم يستمعوا للدعاة فلان وعلان لإدراك قيمة الحياة وأسرارها، وفي اليوم التالي يؤكد أنه الأعلى إيرادات والأكثر جماهيرية وإقبالا، وفي اليوم الثالث يصف حفلاته بـ”الأسطورية” و”التاريخية”، وتحقيق أرقام عالمية.. إلى آخره من التعبيرات والمصطلحات التي يؤكد من خلالها على نجاحاته “المدوية”.
بالعودة إلى أفلامه السينمائية، وبعيدًا عن سذاجة قصص الحب التي يتناولها في أفلامه، خاصة الأخير، والإيحاءات الجنسية التي يحرص عليها دوما في أعماله، وسعيه لتقديم كل جديد في معاكسة الفتيات، وتقديمهن بدور الكائنات “السهلة”، التي يعجبها المعاكسات (التحرش لفظيا وجسديًا)، وتنجذب لمن يفعل ذلك، بل وتقع في حبه في النهاية، نجد ما يقوله تامر حسني كمسؤول عن جيله من الجمهور والزملاء يتناقض مع ما يفعله في أفلامه ومع ما يفعله في حياته الشخصية أصلا.
شئنا أم أبينا، هناك عامل مشترك بين تامر حسني والفنان عادل إمام (مع فارق الموهبة بالطبع، وأنه لا وجه للمقارنة “فنيًا وتاريخيًا” بينهما) ألا وهو إظهار المرأة في شكل “رخيص” سواء كانت بطلة أو حتى كومبارس؛ يتحسّسها كيفما شاء، ويقبّلها رغمًا عنها فتُعجب به، ويخدعها بأنه سيضربها من الخلف فتنتفض مسرعة، فيضحك ويُضحك من حوله. نساء الفيلم يتهافتن عليه جميعا، ويستعرض عضلاته بينهن، إلى أن تأتي البطلة التي تبدأ علاقتها به بالنفور ثم الشد والجذب والمعاكسات (التحرش الجسدي واللفظي) فتعجب به فتحدث عقبات ثم تكلل قصة الحب بالنهاية السعيدة!
تامر أبعد زوجته عن الوسط الفني منذ زواجهما وجعلها تتفرغ له وللعائلة، وعادل إمام أبعد نساء العائلة كلهن عن الفن وليس زوجته فحسب، وصرّح مرارًا أنه لن يسمح لابنته أن تكون ممثلة حتى لا يقبّلها فنان أو تقدّم مشاهد ساخنة بأي شكل.. “أنا حر في رأيي، وما زلت متمسكاً به؛ لأن طبيعتي وثقافتي هي التي جعلتني أرفض احتراف ابنتي التمثيل، وأنا من الحلمية وأساسا من المنصورة، فهل سأكون سعيدا عندما أشاهد ممثلا يقبّل ابنتي ثم أقول لها بعد انتهاء المشهد الله البوسة حلوة؟”.
عادل إمام كان ولا يزال عندما يمدح نجله “محمد” يقول “البنات بتحبه أوي”. عادة ذكورية مصرية أصيلة بأن يعتبر الأب إعجاب الفتيات بنجله مصدر فخر وتأكيد على رجولته. أما تامر فيتعامل مع معجباته بالقبلات والأحضان ويصرّح بأن ذلك نوعا من المودة وأن جمهوره ليسوا غرباء عنه بل بمثابة أهله، بينما في فيديوهاته مع زوجته لا يسمح لأحد بالاقتراب والتصوير معها، وينفعل حين يقترب منها أحد المعجبين.
خوف تامر والزعيم على نسائهم، يتناقض مع نوعية النساء اللاتي يظهرن في أفلامهما، والمشاهد والإيحاءات التي يقدّمانها. والحديث هنا ليس إدانة أو دفاعًا عن السينما النظيفة، هذه قضية أخرى لا يتناولها الحديث الآن، بل الهدف رصد تناقضات الأقوال مع الأفعال؛ تناقضات الحياة الشخصية المتحفظة مع الحياة الفنية الصاخبة المنفتحة.
صباح اليوم، هاجم الفنان أحمد فلوكس تصريحات الناقد الفني أندرو محسن عن فيلم تامر حسني الأخير، التي أكد فيها أنه يواصل هوايته المفضلة في السخرية من النساء، ليسبّ فلوكس النقّاد الفنيين جميعًا ويصفهم بـ”الفشلة” الذين يهاجمون من لا يدفع لهم. بعيدًا عن الفنان الذي لم يعد للرد عليه أي أهمية، ولا يكترث أحد لما يقوله، لكن الواقعة ككل تستحق التأمل وتثير التساؤلات حول الأصوات الناقدة التي يستمع لها تامر حسني.
لمن يسمع تامر حين يكون هو الممثل والمؤلف والمخرج والمغني والملحن؟ بل ويتقمّص دور الناقد أيضًا فيقيّم الفيلم قبل وأثناء عرضه بأن الممثلين الموجودين به في أقوى حالاتهم الفنية، وأنه نجح في إظهار مواهبهم بـ”براعة” وبشكل “فوق تخيلات الجميع”، لذلك حظي الفيلم بإعجاب الجمهور، وبالتالي سيكرر تجربة الإخراج مرة أخرى!
ملخص كل ذلك أن تامر موهوب وناجح وصاحب جماهيرية كبيرة، لكنه وضع نفسه في خانة “الكبار” منذ سنوات طويلة وعليه أن يتحمّل تبعات ذلك. وأن يدرك أن أخطاء الكبار لا تكون صغيرة، حتى وإن كانت كذلك لدى غيرهم. فما بالك إن كانت أخطاؤه كبيرة ومتكررة؟!
تامر حسني نجم حقيقي، لكنه بحاجة لمراجعة بعض أعماله وتصريحاته عن نجوميته “الفذة”، وسماع أصوات ناقدة ومختلفة بعيدًا عن “أفورة” معجبيه. والأهم أنه بحاجة للخروج من ثوب “الأستاذ”.. إلى أن يصبح على مقاسه بحق!