لا أعرف بالتحديد متى بدأت هذه المصيبة الإنسانية، حين تخالف شخصا في رأيه فيعتبر ما تقوله إهانة، وحين تنتقد سلوكه فيعتبر أنك تجرحه، وحين تناقشه فيعتبر أنك تتحداه، وحين تكتب نقدا عن فيلمه أو أداؤه التمثيلي فيعتبر ذلك تطاولا على ذاته أو حين تتناول قضية نسب تخصه فيعتبر ذلك مجازر صحفية يحمد الله أن والده توفى قبل أن يقرأها، وهكذا قال الفنان (أحمد عز) متحدثا عن معاناته منذ عام 2013 مع الصحافة، طبعا كلنا نعرف أن معاناته بدأت مع قصة ولديه التوأم، حين رفض رفضا قاطعا الاعتراف بهما وفي النهاية أقرت المحاكم بأنه والدهم من الفنانة زينة.
لا أعرف بالتحديد ماذا يتوقع الفنان أحمد عز من هذه القصة القديمة؟ ماذا كان يريد من الصحافة؟ هل يقصد أن يقف الجميع بجانبه دون تدقيق فيقولون إن هؤلاء الأطفال ليسوا أبناء الفنان الجميل؟ هل يطلب من الصحافة أن تصفق له حين يرفض إجراء تحليل DNA ليقطع الشك باليقين؟ ما هو المطلوب حتى لا تحدث المجازر الصحفية؟.
تعبير (مجازر) في حد ذاته غريب جدا، أتصور أن الشكوك التي أصابت المصداقية في موضوع له علاقة بنسب أطفال وإنكار لهذا النسب من طرفه جعلت الصحافة تستفيض في نشر الأخبار الخاصة باثنان من أبرز النجوم وتقسو عليه قليلا، وهو شيء طبيعي جدا بعد أن أظهرت المحكمة مرة تلو الأخرى أن التوأم أطفاله وحكمت بتحمله تكلفة معيشتهم في عدة أحكام تلو الأخرى.
هل (المجازر) تعني النقد الشديد أم الدخول في تفاصيل الحياة الشخصية للنجوم أم مجرد إبداء الرأي؟
هل هي (مجازر) أم أن التقديرات غير منضبطة؟
هل (المجازر) تعني أنه من ليس معي فهو بالتأكيد ضدي؟
نحتاج إلى تفسير واضح من الفنان.
من ناحية الفن، نجوم الصف الأول بشكل عام مدللين من الصحافة ووسائل التواصل، وهناك قلق ضمني من انتقادهم وانتقاد أعمالهم لأنهم (بياخدو على خاطرهم)، وقد يغضبون فيقاطعون صحفي أو جريدة أو موقع لأنه تجرأ وانتقد أو يقللون من قيمة هذا النقد ويتهمونه بالكذب والتضليل.. الخ.
ونظرا للاعتماد النفعي المتبادل بين الصحافة والنجوم من ناحية التأثير والجمهور (فالنجوم يروجون لأنفسهم عن طريق الميديا والميديا تجذب الجمهور عن طريق أخبار النجوم) فإن توتر العلاقات ليس في صالح أحد، وللأسف، لم يألف نجومنا بعد الإعلام وتطوراته الجديدة الذي من المفترض أن يكون محايدا وأحيانا صادما وقد يكون عشوائيا في بعض الأوقات وربما متجاوزا، ولكنها طبيعة الصحافة في العالم كله، فهم يريدون بشكل صريح من يصفق أو يطبل لهم فتبدأ المقال بجملة مثل “أدى الفنان أحمد عز دورا رائعا في فيلمه وضعه في مكانة مختلفة عن غيره وأثبت أنه النجم الأكثر جماهيرية بين أبناء جيله” وبعد هذا الاعتراف السحيق يمكنك انتقاد السرد السينمائي أو التليفزيوني أو الحبكة أو الموسيقى أو الماكياج .. الخ لكن لا تقترب من الأداء التمثيلي الراقي للنجم، ويمكن السماح بانتقاد الممثلين الآخرين، ولكن بهدوء.
إذن الخلاصة أن النجم رائع وأعماله تضاهي أعمال هوليود، واداؤه يفوق الخيال ويضعه في (حتة تانية)، لقد أصبح الجميع في (الحتة التانية) بحيث لم يعد هناك (حتة أولانية).
ولأن الإشادة أصبحت مبدئية والتعظيم الفارغ أصبح عادة يومية وطريق الصحافة أصبح مفروشا بالمنحنيات والمقتضيات، ضاع دور النقد الفني، والأعمال الفنية الركيكة المنتشرة تثبت الفكرة فالكل حلو والكل ناجح والكل مبسوط، وهو ما يدفعنا إلى الوراء يوما بعد الآخر، إذ أننا لا ندرك أن النقد (القاسي أحيانا) هو ما يؤدي إلى تحسين الجودة.
أما حياة الفنانين الشخصية فلن تستطيع إيقاف اهتمام الناس بها وبالتالي اهتمام الصحافة، وعلى الفنانين وخاصة النجوم أن يتعلموا الهدوء والحصافة والتقبل وعدم المبالغة.
في ٣١ أغسطس عام ١٩٩٧ استمر مصوري الصحافة بملاحقة سيارة الأميرة (ديانا) أميرة ويلز والزوجة السابقة لولي عهد المملكة المتحدة لالتقاط الصور وهي في صحبة صديقها (دودي الفايد)، ويقال أن المصورين وعدساتهم كانوا أحد أسباب الحادث الذي أدى إلى وفاتها، لقد كانت مجزرة حقيقية لكن أحدا لم يطالب بمقاطعة الصحف أو منعها.