يحكى أن شابا بنى جدران حياته بنفسه طوبة طوبة ونفس بعد نفس وطبعا بكلمة بعد كلمة، اشتغل في مهن مختلفة كأعمال البناء وكعامل مقهى إلى أن أكمل دراسته الجامعية بكلية الحقوق ليغير مسار حياته وينتقل وللأسف إلى صنعة الصحافة، فبدأت عندها رحلته الصعبة القاسية شأنه شأن أصحابه.
مشكلة بائع الكتب أنه صادق جدا ولا يستطيع المداهنة والملاوعة وتطييب الخاطر، فكتب ما يمليه عليه ضميره الصاحي، فهذا البائع وضع نصب عينيه قضية الإسلام السياسي وتحوير الفتاوي والأحاديث، وتحويل الدين الجميل الراقي إلى أداة للقتل وسفك الدماء.
فكتب وكتب عشرات ومئات المقالات إلى أن وصل إلى المنطقة المحظورة، ألا وهي بزنس النشر، فقام بفضح بعض دور النشر المشبوهة التي تنشر الأفكار المسمومة وتروج لها على أوسع نطاق، وبما أن البزنس أو بمعنى أوضح رأس المال يتحكم بالسوق، فقد عمله المتواضع ككاتب وصحافي، وأصبح جالسا على قارعة الطريق، فبات دون دخل ثابت بما أنه لم يتخرج من كلية صحافة أو إعلام ويعتبره البعض دخيلا على مهنة الصحافة والكتابة.
سامح لم يجلس ببيته ويلطم حظه العكر، فقام بخطوة جعلت منا عراة حفاة، فبدأ ببيع كتبه ليحصل على قوت يومه مع عائلته، وبيع المكتبة لأي مقتني الكتب يعتبر الأمر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، لكن الأمر تم وربما ساعدته الوسائل الاجتماعية بالترويج، علما إني بشخصي لم اشتر منه لنفس الظروف التي دفعته لبيع مكتبته.
من يجمع الكتب ليس إنسانا عاديا، فهو قارئ ومتابع ومحلل وقد يكون كاتبا أو صحافي او متخصص بأحد المجالات، لكن بائع الكتب فقد شغفه وانتقل إلى حالة القرف. وبياع الكتب هذا لم يكن الأول وقد لا يكون الأخير، فقد سبقه أحدهم وباع الجبنة وليس الكتب، تصوروا كيف تتخاذل الحياة ولأي درجة، فصديقنا بياع الجبنة روج له بياع الكتب في السابق وكل من يقرأ اشترى منه.
بياع الكتب اختار مكانا لتسليم طلباته بمكان بوسط القاهرة، وفيه سوق لبيع الأغراض المستعملة والنادرة، فتحزل إلى أيقونة لبيع الكتب المستعملة دون أن يدري.
فلسامح بياع الكتب ألف تحية، لأنه واحد مننا وليس عيبا يا صديقي أن تبيع الكتب، على العكس فهذا شرف لك، ووجودك في قهوة ديانا زاد من قيمة المقهى والشارع نفسه وأتوقع أن يصبح اسمه شارع سامح. كلنا بياعين كتب، كلنا سامح، لو كنا صادقين وأصحاب رسالة. فيا سامح يا بياع الكتب ألف تحية لك.