منذ نشأتها والسينما في العالم تقدم صورا تخدم سياسات الدول، وأكدت هذا السينما العالمية في تناولها للحربين العالمييتين، وتناولها بشكل أكثر فجاجة للحرب الفيتنامية، أو ما عرف باسم الحرب الهندوصينية الثانية، أو حرب المقاومة ضد أمريكا، ويراها بعض الأمريكيين بمثابة حرب بالوكالة في حقبة الحرب الباردة. وغالبية الأمريكيين يعتقدون أن الحرب كانت غير أخلاقية وغير مبررة وفي طرفها تلقى الجيش الفيتنامي الجنوبي الدعم من الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، وأسترإلىا، وتايلاند وحلفاء آخرين مناهضين للشيوعية.
ومن ثم أستخدمت السينما الأمريكية لتصحيح وجه أمريكا، وتبرير دعمها للجيش الفيتنامي حتى لا تكون أمريكا متهما طول الوقت، وهو ما يراه كثيرون تزييفا للتاريخ من السينما.
وعلى طرفين آخرين متناقضين ما زالت السينما الأمانية ترى أن ما تزعمه إسرائيل من وجود المحرقة شىء من قبيل التشويه واللعب بالتاريخ، وتستخدم فيه بعض شركات الإنتاج التي يمتلكها يهود أو صهاينة في هوليود السينما لتشويه صورة المانيا، أو هتلر، كزعيم للحزب الشيوعي آنذاك.
والسؤال هو .. هل تزيف السينما التاريخ ؟هل ما قدمه فيلم “كيرة والجن” يعد وثيقة تاريخية، ما هي حقيقة شخصيات، إذ إلتزم الفيلم بما ورد في تاريخ بعض الشخصيات، ولضرورات درامية قدم شخصيات برؤى سينمائية وهو ما دفع مؤلف الرواية ومخرج الفيلم إلى كتابة “الفيلم ليس وثيقة تاريخية ” على تتر المقدمة.
أحمد عبد الحي كيرة الذي جسده كريم عبد العزيز، كان واقعا مقتبسا من تاريخ حقيقى لدارس الطب أحمد عبد كيرة،الذي تحتاج سيرته إلى فيلم كامل فهو كان يدرس الطب ويمثل بأنه مع جنود الإحتلال برغم مساعدته للمقاومة وإستخدامه للمواد الكيميائية، وناضل مع المقاومة، ولكن الفيلم لم يقدم الكثير عنه، فقد يعمل في السر حتى اكتشف أمره في اعترافات قتلة السير لي ستاك عام 1924، وبدأت المخابرات البريطانية ملاحقته وأصبح واحداً من أهم المطلوبين لديها، اضطرت قيادات الجهاز السري للثورة أن تقوم بتهريب الفدائي كيرة بجواز سفر مزور إلى ليبيا ومنها إلى إسطنبول وظل سنوات طويلة مطاردا، وقد قابله هناك الأديب يحيى حقي عام 1930 والذي كان يعمل موظفاً بالقنصلية المصرية في إسطنبول وكتب عنه: “بعبع الإنجليز يبحثون عنه بعدان فتلوا له حبل المشنقة، كنت لا ألقاه إلا صدفة وألح عليه ان نأكل معا فيعتذر”، وبعد توقيع معاهدة 36 سافر إلى تركيا ثلاثة من عملاء الإنجليز في مصر. وأستدرجوعبد الحى إلى إحدى ضواحى إسطنبول واغتالوا البطل ثم مثلوا بجثته وفروا عائدين إلى مصر.
هذه ملامح واقعية، لم يقدمها إلىفلم كاملة، ولضرورات درامية ايضا جاءت شخصية عبد القادر شحاتة الجن الذي كتب مذكراته، وتناول سيرة حياته الكاتب الراحل مصطفي أمين في كتابه عن ثورة 1919، وفي مسيرته من الأسرار والحكايات لأن تصنع له مسلسلات وأفلام، إذ إنه كلف بمهام عدة كان منها إنه شارك في محاولة اغتيال وزير الأشغال وقتها محمد شفيق باشا بسبب مولاته للاحتلال الإنجليزي ولكن لم تفلح المحاولة وتم القبض عليه، كانت شهادة دولت فهمي سبباً في تعديل الاتهامات عليه ويتم الحكم عليه بالسجن المؤبد بدلاً من الإعدام، وفي عام 1923 أصدرت حكومة سعد زغلول باشا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وكان واحداً منهم.
كل الحكايات التي ترصدها الأفلام تاتي دائما غير مكتملة، وهو ما يدفعنا للقول بأنه لايجب أن تؤخذ كمستند تاريخي، ومن ثم كان مهما أن يكتب مروان حامد بأن الأحداث ليست وثائق، ولكن بعض الأحداث أثير حولها جدل كبير وهى شخصية إبراهيم الهلباوي التي قدمها الفنان سيد رجب، فهو في الواقع وطبقا لأحداث تاريخية لم يكن كما صوره الفيلم فقط مجرد خائن للمقاومة بل هو محام وقف مع الإنجليز ضد الفلاحين ووصف بأنه جلاد دنشواي، وحاول بعد سنوات من العمل مع الإنجليز التكفير عن خطيئته بالإنخراط في العمل التطوعي، ووصف بأنه أشهر محامي في القرن العشرين، ونقيبا للمحامين في عام 1912، إلا أن الفيلم قدم شخصية مغايرة لمناضل يتحول إلى خائن.
هذه بعض شخصيات أحدث عمل فني يتناول جزءا مهما من تاريخ مصر، ويسعى حالىا المؤلف عبد الرحيم كمال إلى تقيم مسلسل عن فرقة “الحشاشين” للعرض في شهر رمضان المقبل، وهو عمل تاريخي يقدم من خلاله شخصية حسن الصباح أحد الشخصيات المهمة، ارتبط اسمه بفرقة الحشاشين، التي أطلقت على الحشاشون، وهي تسمية أطلقت على فرقة من الطائفة الشيعية الإسماعيلية، وتعرف بالنزارية، وصفت تصرفاتهم على أنها دموية ولا مكان للرحمة في قلوبهم.
يُنسب تأسيس الحشاشين لحسن الصبّاح، وهو رجل دين ولد في مدينة قم الإيرانية، يتمتع بحسب المؤرخين بشخصية جذابة مؤثرة استولى على قلعة “ألموت” في إيران، لينتقل مركز الإمامة النزاري إلى بلاد فارس بعد أن كانت في مصر، ومنها بدأ نشر دعوته.
كان حسن الصبّاح يوهم أتباعه على أن الحديقة التي يعيش فيها هى جزء من الجنة، ويعتبر أحد أهم مطالب أن يكون الشخص من أتباع الصبّاح هو التزامه بأوامر تصفية الأعداء والخصوم، وعلى أنهم يتناولون الحشيش قبل تنفيذهم مهامهم العسكرية.
لذلك ارتبطت بالحشاشين سمعة سيئة بسبب أسلوبهم في تصفية الخصوم، كما وصفوا بالباطنية واعتُبروا زنادقة ومنحرفين وواجهوا ردودًا من الشيعة والسنة على حد سواء.
ومن ضحاياهم الملك الطوسي، الأفضل شاهنشاه، الأمير الإنكليزي إدوارد الأول، كما حاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي إلا أنهم فشلوا في النيل منه، المسلسل يخرجه من إنتاج سينرجى”تامر مرسي “.وهنا ناتي أيضا للسؤال المهم هل سيقدم المسلسل حياة الشيعة في مصر، حيث أن فرقة الحشاشين كانت شيعية، كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها “فدائيون” لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم. حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد.
قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة في فارس سنة 1256ميلادية بعد مذبحة كبيرة وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية، وسرعان ما تهاوت الحركة في الشام أيضاً على يد الظاهر بيبرس سنة 1273ميلادية.
سيقوم بدور حسن الصباح الفنان كريم عبد العزيز، وما سيقدمه العمل أيضا يتوقع ان يكون من وحي ما حدث وليس توثيقا أو رصدا واقعيا لما قام به الحشاشون لأنهم دمويون.
كان الكاتب الكبير نجيب محفوظ يؤكد دائما بان ما يكتب في رواياته ليس وثائق تاريخية، وعندما يسأله المخرج حسن الإمام عن شىء ليستئذنه يقول له بانه كتب عملا روائيا وليس شرطا أن يكون هو نفسه ما سيقدم بالفيلم السينمائي، فهو أدى دوره في كتابة الرؤية الأدبية، ولذلك تظل السينما عملا به الكثير من الخيال وليس توثيقا للتاريخ.