رباب طلعت
تعالت الأصوات المعارضة والساخرة من فيديوهات خبيرة الإتيكيت والموضة أمينة شلباية، التي تعطي فيها دروسًا لإتيكيت تناول الطعام، خلال الأسابيع الماضية، ومنحت “شلباية” لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مادة خصبة ومثمرة جدًا لصناعة “الكوميكس”، والفيديوهات الطريفة عن طرق تناول الشعب للأطعمة البعيدة كل البعد عما تقدمه ملكة جمال مصر لعام 1988.
الأمر زاد صداه بعد حلقتها مع الإعلامي عمرو أديب على قناة “mbc مصر”، حيث خصص إحدى حلقات برنامجه “الحكاية”، لخبيرة الموضة، التي تحولت مؤخرًا لخبيرة اتيكيت، حيث اعترض هو شخصيًا كأغلبية الشعب على نصائحها في تناول الطعام نظرًا لأن تطبيقها غير منطقي أثناء تناول الطعام في مناسبات غير رسمية، واستفزها بطريقته “العشوائية” في تناول الأكلات المختلفة.
ولعل أحد أسباب تلك “الضجة” على السوشيال ميديا، وهو السبب الخفي غير الظاهر في استنكار الأغلبية لتلك الفيديوهات هو أنها تزعزع علاقة المصريين بالأكل، وطقوسهم الخاصة في تناوله، وهو الأمر الذي تناولته الأعمال الفنية المختلفة سواء في السينما أو التلفزيون وحتى المسرح والأغاني أيضًا.
الكثير من صناع الأفلام السينمائية اهتموا بتفصيلة حب المصريين للأكل، فكانت لمشاهد تناول الطعام حضورًا بارزًا في كثير من الأعمال التي لا تنسى، أبرزها في فيلم “خرج ولم يعد”، الذي يعد مظاهرة في حب الأكل، فلا يمكن أن تشاهده دون أن تشعر بتلك السعادة التي تنتابك عند تناول طعام مميز من شخص تحبه، وفي نهاية العمل ستصل لقناعة الراحل فريد شوقي في العمل وهي أن “الأكل ده نعمة من نعم ربنا، لذة من لذائذ الحياة الكبرى، عندك طبق فول مدمس أطعم وألذ من الديك الرومي، مش مهم تاكل غالي أو رخيص، المهم إنك تتمتع بالأكل”، تلك القناعة التي عبر عنها المصريين بالمثل الشعبي “أقرب مسافة لقلب الراجل بطنه”، حيث نجحت ليلى علوي في كسب قلب يحيى الفخراني بالفعل، بموائد أسرتها، وليس القصد هنا الطعام نفسه، إنما الدفء الأسري الذي يعبر عنه المصريون بالأكل.
وفي “عسل أسود” لأحمد حلمي أيضًا، كان للأكل دلالة واضحة على مصر “الوطن” الذي لم يشعر به “حلمي” إلا في “اللمة” حول المائدة الواحدة مع أسرة صديقه، الذين احتضنوه بالأطعمة المصرية الشهيرة، بدءًا بالملوخية (اللي بتتاكل بودن القطة) والفول والطعمية والخشاف، مرورًا بالفسيخ، الذي تعد علاقة المصريين به من أغرب العلاقات بين الشعوب وأطعمتها التقليدية، وصولًا لكحك العيد الذي هو رمز الفرحة في المناسبات المصرية، وبجانب الأكل كانت “مية الحنفية” التي كان يسقيها حماصة لمصري، ليتأكد من عودته إليهم مرة أخرى بناء على إيمان المصريين بأن “اللي يشرب من مية النيل يرجعلها تاني”.
“لازم البوفتيك؟” الجملة الأشهر من فيلم “الحفيد” أيضًا، والتي قالها عبدالمنعم مدبولي لزوجته كريمة مختار مستنكرًا إصرارها على “البوفتيك” الذي تراه أحد أهم رموز المائدة للتعبير عن كرم الضيافة، بجانب البط والمحشي وغيره من الأكلات المصرية الشهيرة، وذلك بجانب مشهد شراء مستلزمات السبوع من حمص وغيره تلك العادة المصرية الأصيلة جدًا.
وجسد الفنان أحمد زكي، عشوائية الطريقة المصرية في تناول الطعام في “سواق الهانم”، حيث لم يستطع الانتظار والتعامل بـ”الشوكة والسكينة” في حضرة “الهانم” ابنة “البشوات” لأن “الطبع غلاب”.
الصراع القائم بين أتيكيت أمينة شلباية وأتيكيت المصريين لتناول الطعام، لا يمكن وصفه بدقة أكثر من التي قدمها مشهد بوفيه “فرح سنية” أحد أكثر المشاهد شعبية من مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي”، للراحل الفنان نور الشريف، والفنانة عبلة كامل، فأمينة شلباية جسدتها شخصية “درية” التي قدمتها الفنانة كوثر العسال (أم العريس)، وهي على وشك الانهيار من طريقة تناول “المعازيم” الأكل على مائدة أم العروسة عبلة كامل، التي كانت تقدمه بيدها دلالة منها على كرم الأسرة.
ولا يمكن تحديد إتيكيت أكل المصريين في ذلك المشهد فقط، فـ”بليغ أبو الهنا” الشخصية التي قدمها الفنان خالد النبوي في رمضان 2022 في مسلسل “راجعين يا هوى” والعائد إلى وطنه من أرقى الدول الأوروبية، كان يستلذ بالطعام على “عربية فول”، ويأكل “المسقعة” بالخبز، متجاهلًا تمامًا أي قواعد للإتيكيت، لأنه ببساطة في مصر وبين أهلها.
وحتى وإن كان المصري خارج وطنه فهو لا يستطيع إحكام السيطرة على نفسه التي تتلذذ بالطعام، خاصة في رمضان، وهو قدمه مسلسل “ناجي عطالله” بطولة الفنان عادل إمام، والذي له باع طويل في مشاهد الأكل، خاصة في فيلم “التجربة الدنماركية” و”الإرهاب والكباب” و”بخيت وعديلة” وغيرهم، حيث اقتنصت فرقته ضحكات الأسرة الفلسطينية التي استضافتهم أثناء ذهابهم في مهمة سرقة البنك الإسرائيلي، حيث التهموا الطعام بمجرد سماعهم أذان المغرب.
بالطبع، لم يغفل المسرح عن تلك العلاقة الوطيدة بين المصريين والأكل، فكان لمشاهد تناول الطعام حضورًا بارزًا في عدد من المسرحيات، وأبرز تلك الأكلات كان “البيض”، الذي كان وجبة “الصباحية” لكل من الشاويش عبدالعال (أحمد بدير) في “ريا وسكينة”، ويروي الفنان في لقاء سابق له بأنه كان يتناول الطعام فعليًا فيه نظرًا لأنه كان على سفر وكان جائع جدًا، للدرجة التي اندمج فيها ونسي العرض، لتوقفه زميلته سهير البابلي بجملة كوميدية وهي تقول له فيما معناه “المخرج مقالش كده أنت بتاكل بجد”، وأيضًا مشهد تناول “حنفي” الذي قدم دوره الفنان الراحل جورج سيدهم في “المتزوجون” في الصباحية أيضًا، وكلا المشهدين كان الأكل فيهم عشوائيًا بالطريقة التي لا تفضلها “شلباية” ولكن يحبها الشعب المصري.
هناك الكثير من الأغاني المصرية الشهيرة التي تناولت أطعمة بيعنها مثل “قزقز كابوريا” للراحل أحمد زكي، و”الاستاكوزا” للراحل حسين الإمام، و”آيس كريم في ديسمبر” التي غناها الفنان عمرو دياب في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم، و”يا سلام على طاجن بامية” التي قدمتها الفنانة دنيا سمير غانم في “اللالالاند”، وغيرهم الكثير.
وبجانب أغنيات التغزل في الطعام، هناك أيضًا استخدام الأكلات كعبارات للغزل، مثل أغنية “بسبوسة بالسمنة” التي قدمها الفنان أكرم حسني في “الوصية”، و”قلبي برتقان بصرة” في مسلسل “مكتوب عليا”.
وبعيدًا عن الفن، كان ظهور العلاقة الوطيدة للمصريين بالأكل بارزًا أيضًا في الإعلام، فأبرز الإعلاميين “اللي بياكلوا على الهوا” هو عمرو أديب، منذ تواجده على شاشة “أوربت” مع الفنانين الراحلين حسين الإمام وعزت أبو عوف ورجاء الجداوي، ومن ثم تقديمه فقرات خاصة بالأكل في برنامجه “الحكاية” على “mbc مصر”، والذي لاقت صدى واسعًا بشكل ملحوظ، كما حققت فقراته في برنامج “كل يوم” على قناة ON، نفس النجاح الكبير.
فعمرو أديب لم يستطع في ولا حلقة منها الالتزام بالأتيكيت الذي تقدمه أمينة شلباية في فيديوهاتها، حيث كان يتناول الطعام مع الفنانين بـ”الطريقة المصرية الأصيلة”، وضيوفه أيضًا، على الرغم من نجوميتهم.
وبجانب “أديب” كان لحلقات “صاحبة السعادة” التي قدمتها الفنانة إسعاد يونس على قناة dmc، طابع مصري “أوي” حيث افترشت الأرض لتناول الطعام، وقدمت لجمهورها أكلات يحبها المصريين بشدة، وتناولتها بطريقهم التي يفضلونها، باختلاف مستوياتهم، وتلك الحلقات كانت من أكثر حلقات البرنامج رواجًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
والحقيقة لا أحد يستطيع أبدًا انتقاد ما تقدمه أمينة شلباية، فالإتيكيت بالفعل علم، وضروري في بعض الحالات ولبعض الأشخاص، ولكن الإشكالية هنا، هي تقديم ملكة جمال مصر السابقة ذلك المحتوى للجمهور العام، ما وضعها في موقف انتهاك مقدساتهم وعلاقتهم المختلفة بالطعام.