إسراء إبراهيم
“بتونس بيك وأنت معايا.. وإن جاه صوتك صوتك بيونسني“، جزء من أغنية وردة التي تشدو بها تعبيرا عن الحب والونس التي قدمتها في فترة التسعينيات. تعتبر الآن تعبيرا مناسبا عن الحالة التي يخلفها صوت “وردة الفن” عندما تظهرا لثوانِ في إحدى الأعمال الفنية الجديدة، فبات صوتها هو “الونس” الدرامي الذي يخلقه المخرج مع المشاهد.
صوت وردة لا يفرق بين العشاق والوحيدين لأنه يشعرك بالونس، وبالتأكيد صادفك وجود صوتها في الشوارع والمقاهي خاصة التراثية أو الشعبية، ستجده يناجيك ويأخذك لعالم آخر، لكن الجديد هو وجوده في عالم المسلسلات والأفلام، كأنه سحر وردة الحاضر الغائب. ورغم الغياب الذي بلغ 10 سنوات منذ رحيلها عن الحياة، ما زال صوت وردة قادرا على إحيائها بين الناس، ولا زال اسمها وصوتها حاضرا مشرقا يزداد ضياؤه بمرور الزمن. هل كانت تظن وردة وهي على قيد الحياة أنه في ذكرى ميلادها الـ83 الذي يوافق اليوم، ستكون حاضرة بأغانيها في عدد من الأعمال الفنية التي لاقت قبولا ونجاحا لدى المشاهد العربي، بل أن وجودها في تلك الأعمال أضفى روحا خاصة بالعمل منحته الحياة.
في مسلسل “وش وضهر” الذي يُعرض حاليا عبر منصة “شاهد”، يقدم الفنان إسلام إبراهيم شخصية “عبده وردة” المغرم بالفنانة وردة والذي ربط الناس بين اسمه واسمها من شدة ارتباطه بها وحبه للموسيقى، وعندما رغب في تقديم موسيقى مهرجانات ناجحة ورغم بعدها التام عن الحالة التي يقدمها صوت وردة إلا أنه استعان بموسيقى إحدى أغنياتها في مهرجان حقق له نجاحا في أحداث العمل. وكأن وردة منحته جزءا من نجاحها وإشراقة صوتها في موسيقاه الغريبة عنها.
هل كانت تتخيل الراحلة وردة أنه بعد مرور 30 عاما على نجاح أغنيتها “بتونس بيك”، ستكون الأغنية إحدى علامات الثقافة العربية في المسلسل العالمي “Moon Knight – فارس القمر”، فاستخدم المخرج محمد دياب صوت وردة وموسيقى صلاح الشرنوبي الرائعة في إحدى تترات حلقات العمل. لينشر الثقافة العربية والتراث العربي الموسيقي في عمل عالمي من إخراجه لإيصال الروح المصرية والعربية للمجتمع الغربي، وهو الأمر الذي استقبله متابعي العمل وقت عرضه بفرحه واستغراب كبير لأنه يحدث لأول مرة ومع مطربة من زمن العمالقة كـ وردة.
أغنية “بتونس بيك” ل وردة، وألحان صلاح الشرنوبي
Moon Knight (2022) | S1E3
— 𝑹𝑨𝑵𝑫𝑶𝑴 𝑴𝑼𝑺𝑰𝑪 (@Musical_721) April 13, 2022
يزيد الزمن من وهج أغاني الفنانة الراحلة، فالحب في كلمات أغانيها مختلف تشعر به يخرج كالطير ليملأ من حولك المكان بإحساس الحب، وكالسحر الذي يأخذك لعالم مختلف. وهذا ما أراد توصيله المخرج هادي الباجوري في فيلم “قمر 14” من خلال أغنية “قال إيه بيسألوني” ليجعلنا نشعر بالحالة التي يشعر بها خالد أنور مع غادة عادل، مجرد ومضة من صوت وردة في العمل جعل الجمهور يفهم جيدا الحالة التي رغب المخرج في توصيلها للمشاهد.
كان صوت وردة الرفيق الدائم لـ نيللي كريم في مسلسل “فاتن أمل حربي”، وعلى الرغم من صعوبة القصة التي تناولها العمل الذي يحكي معاناة ما بعد الطلاق، إلا أن صوت وردة كان رفيق الونس لمعاناة فاتن، وخلق حالة غريبة من الحنين والجمال، وقلل صوت وردة من حدة المشاهد الكئيبة، وفي بعض الأحيان أوصل شعور “فاتن” في تلك اللحظة دون الحاجة لتعبر عن نفسها بالكلام، مثلما حدث وهي تستمع لأغنية “ليالينا” و”حكايتي مع الزمن”.
كذلك صوت وردة كان هو ملاذ “فاتن” لتشعر بالأمان والتفريج عن همومها، فكانت تستمع لأغاني مثل “مالي” و”لولا الملامة”، وغيرها. بعض الجمهور عبر عن الحالة التي خلقها صوت وردة عبر منصات التواصل الاجتماعي في العمل بأنه “أجمل ما في المسلسل”.
عام 2015 كانت وردة اكتشافا جديدا بأغنية “ليالينا” لصوت شيرين في مسلسل “طريقي”، فضمن أحداث العمل استطاعت شيرين إثبات قدرتها الصوتية بأغنية مليئة بالشجن أعادتها للوجدان بعدما غنتها في إحدى حلقات المسلسل، وحققت الأغنية بصوت شيرين ملايين المشاهدات تقترب من 10 مليون مشاهدة على قناة الشركة المنتجة.
أعاد الجمهور بعد غناء شيرين لأغنية “ليالينا”، نشر فيديو قديم جمع شيرين بـ وردة وتشاركا خلاله غناء نفس الأغنية.
وفي لفتة مختلفة حمل اسم مسلسل “ليالينا 80” إحدى أشهر أغانيها وهي “ليالينا”، وكان صوتها حاضرا بالأغنية في فترة الثمانينات التي تناولها العمل الذي عُرض خلال شهر رمضان 2022. وفي رمضان 2017 كان صوتها حاضر في مسلسل “هذا المساء” الذي حقق نجاحا مختلفا من خلال أغنية “العيون السود”.
بعيدا عن الأعمال الفنية، كانت وردة أيضا حاضرة على السوشيال ميديا مؤخرا، فأغنيتها “عد أوراق الشجر” كانت تريند بمفهوم وسائل التواصل الاجتماعي وأرفقها المستخدمون ببعض التعليقات الساخرة. وأيضا من أكثر المقاطع المتداولة لها مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي جزء من تسجيل نادر جمعها بزوجها السابق الموسيقار الكبير بليغ حمدي وهما يغنيان “العيون السود”.
“أنا هبقى كذابة لو قولت صوت وردة دلوقت زي أيام لعبة الأيام، لكن على الأقل عشت وشوفت وحسيت” هكذا عبرت وردة في لقاء قديم لها مع برنامج “ساعة صفا” وقت أزمتها الصحية التي منعتها من الغناء، عن تعاملها مع تأثير تلك الأزمة على صوتها، فهي اكتفت بأنها ترى حب الجمهور وتشعر به ووصلت لمرحلة نضج جعل ذلك الإحساس يخرج على هيئة نضج فني لا يحتاج إلى القوة الصوتية التي كانت تظهر بها من قبل في صوتها. وفي لقاء آخر مع الإعلامي مفيد فوزي عندما سألها بعدما بدأت تعافيها من الأزمة الصحية عن شعورها في حال فقدانها القدرة على الغناء قالت إنها حتى وإن لم يعد لها صوتها فهي مستكفية بما وصلت له وحققته، وما يقدمه لها الجمهور في الوطن العربي عند رؤيتها.
“الشهرة مخدتش مني.. الشهرة حلوة” هكذا عبرت وردة عن امتنانها لتقدير الجمهور لها، خلال برنامج “اللعب مع الكبار”، إذ أوضحت أنه لولا الشهرة ما كانت عادت لجمهورها بعد غياب 5 سنوات ووجدته يعرفها ويعاملها بحب شديد ويعبر لها عن ذلك. لم تخشَ وردة فقدان قدرتها الغنائية لأنها قدمت أغاني تعيش لأجيال، وهو ما نراه حاليا بحضورها القوي مؤخرا في الأعمال الفنية التي تجد في صوتها هالة مختلفة عن كل الأصوات تقرب المشاهد للعمل وتقرب وردة من قلبه مجددا.. لروحها السلام.