أسماء شكري
ساعة ونصف قضيتها مستمتعة وأنا أشاهد مسرحية تراباتت تو بطولة 7 من الشباب على رأسهم باسم موريس وعبد الرحمن ظاظا، العرض رائع وكوميدي بالدرجة الأولى؛ ضحكت خلاله حالي كحال الجمهور، ضحكنا كثيرا وصفقنا أكثر من مرة، وأنا شخصيا ضبطت نفسي أكثر من مرة أضحك بشدة على غير عادتي وأنا وسط الناس، ولكني لم أتمالك نفسي أمام موهبة هؤلاء الشباب الذين جعلوا خشبة المسرح وكأنها حلبة تشهد مباراة تجذبك لمتابعتها لآخر لحظة.
عرض تراباتت تو هو معالجة درامية لنص “البوفيه” للكاتب علي سالم، وأعتبر مفاجأة المسرحية الكبرى الفنان باسم موريس الذي لم يكتب المعالجة فقط وإنما يؤدي شخصية مهمة خلال المسرحية، بأداء كوميدي مختلف ومميز لا يشبه أحدا، ولا أبالغ إذا قلت إنه أكثر شخصية أضحكتني خلال العرض، فبالرغم من أن أدائه لـ “نوفل عبد المعين” ذكرني بالشخصية الشهيرة رامي قشوع في فيلم بطل من ورق، إلا أن الطرح هنا مختلف ويتماشى مع لغة العصر.
يتشابه نوفل مع قشوع في أن كلاهما شاب ريفي يهوى الكتابة ويتمنى إنتاج عمل فني من توقيعه، ويذهب إلى القاهرة لمحاولة إيجاد الفرصة، إلا أن الخط الدرامي بعد ذلك يختلف تماما عن ما شاهدناه في الفيلم، وندرك أن نوفل كاتب مبدع وواعِ على عكس سذاجة قشوع.
يذهب نوفل لشركة “الشبل الحنين” ويصطدم بمديرها “نصر السادس” الذي قدمه “ظاظا”؛ ويحسب له أنه لم يستغل لزمة “داء القط” التي اشتهر بها في “الكبير أوي 6” بالرغم من نجاحها لدى الجمهور.
يبدأ الصراع بين “نوفل” الكاتب الطموح صاحب المبادىء، و “نصر” المنتج الذي يبحث عن النجاح بأي وسيلة ويصر على “حشر” مشاهد مثيرة داخل النص حتى تجذب الجمهور، ويتدخل بشكل فج لدرجة أنه يعدل اسم العرض من “ضي القمر” إلى “تراباتت تو”، ويقع نوفل في حيرة بين التمسك بمبادئه والرضوخ لضغوط المنتج.
في بداية المسرحية قد تشعر بأنها عرض “للضحك” وحسب؛ ولكن شيئا فشيئا تنتبه لمغزى العرض والذي قدم رسالة مبطنة تتسرب إليك رويدا رويدا، فتجد نفسك واقعا مع أبطال العرض في حيرة بين الفن الجيد والفن الرديء، التمسك بالمبادىء مهما كانت الضغوط والإغراءات أم الاستسلام للقهر ولغة السوق؟ اختيار الكفاءات والموهوبين الحقيقيين أم الجري وراء “هوجة الترند” ونجوم السوشيال ميديا حتى لو كانوا بلا موهبة أو فكر، كل هذه الأفكار وجدتها تتصارع في عقلي وأنا أشاهد تراباتت تو، واندهشت من أنني بالرغم من ضحكي أغلب مدة العرض إلا أنه كان ضحكا ممزوجا بالتفكير، ليس تفكير من النوع المرهق الذي يعصف بالذهن ولكنه تفكير “خفيف على القلب” إن جاز التعبير.
نجح العرض في انتزاع ضحكات الجمهور –وأزعم أنها ضحكات حقيقية غير مصطنعة- والمهم هنا أن الكوميديا نابعة من المواقف وليست كوميديا “إفيهات” كما أصبحنا نشاهد كثيرا، كوميديا تحترم عقل الجمهور وتجعله يضحك على واقعه وتنبهه لمشاكله بطريقة ناعمة وسلسة، وهنا ضرب العرض عصفورين بحجر واحد، قدم نصا كوميديا بالدرجة الأولى، وأثار عقل المتفرج ليعيد قراءة واقعه ويراجع طريقة تعامله معه.
بقي أن أوجه تحية لأبطال عرض تراباتت تو السبعة، الشباب الذين قدموا مباراة على المسرح أدى كل منهم دوره خلالها بحرفية وإبداع بدون أن يتأثر بغيره، فلكل منهم شخصية مختلفة عن الآخر و “منطقته” التي يلعب فيها ولا ينافسه فيها أحد، وقدموا عرضا ممتعا لم يتخلله الملل، بقيادة المخرج موريس عدلي.