حتى الثاني من إبريل الماضي، لم يدر بخلد المسئولين بقناة “صدى البلد” أن يحصلوا على حق إذاعة أكبر حدث قضائي في تاريخ مصر على الهواء مباشرة، وبشكل حصري، ذلك التاريخ الذي قررت فيه المحكمة تنفيذ رغبة المحامين عن مبارك ومتهمي “قضية القرن” في إذاعة جلسات مرافعاتهم كاملة، بعد أن شكوا للقاضي عدم حيادية التليفزيون المصري، خاصة بعد نقل مرافعة النيابة كاملة، واجتزاء مشاهد من مرافعة دفاع حبيب العادلي.
في تلك الجلسة ضمّنت المحكمة قرارها بمنع البث عن التليفزيون المصري، وقررت إسناد الأمر للقنوات الفضائية، غير أنها اشترطت على من يتقدم لتلك المهمة عدة شروط بينها إذاعة الجلسات كاملة “من بدايتها لآخرها”، وذلك بتعهد مكتوب بعدم قطع البث، مهما طالت المدة، وأيضا اشترطت استخدام 4 كاميرات بث مباشر إحداها لهيئة المحكمة والثانية للقفص والثالثة في نهاية القاعة والرابعة لمنصة المحامين والحضور.
لم تأخذ القنوات المختلفة الأمر مأخذ الجد، ربما للكلفة العالية لتنفيذ ذلك التعهد وربما بسبب خريطة برامج أو غيره، فتلقّت المحكمة طلبًا وحيدًا من قناة صدى البلد، التي قررت تسخير إمكانياتها لنقل الحدث، وإلى ذلك الوقت لم يكن المسئولين بها يعلمون أنهم سينقلون منفردين تلك الأحداث والمرافعات، فقررت المحكمة استخراج التصاريح اللازمة لطاقم صدى البلد مع تقديم كافة التسهيلات لهم.
اتخذت القضية مناح مختلفة، غير متوقعة، فالمحكمة أعطت كل الوقت للدفاع للحديث عن القضية، وسمحت للمتهمين بإلقاء الخطب والكلمات، في صلب الموضوع، وفي أمور شخصية وتاريخية، والحقيقة إن تلك الخطابات كانت موجهة للرأي العام وليست للمحكمة، فاستغل الدفاع والمتهمون القناة التي يملكها رجل الأعمال محمد أبوالعينين، المعروف بانتماءه للحزب الوطني المنحل، واستثمروا البث المستمر في تجميل صورتهم والدفاع عن أنفسهم، وفازت صدى البلد ببث جميع الأحداث، لتقرر إدارة القناة الانحياز الواضح للمتهمين من خلال مذيعيها وضيوفها وجميع تحليلاتها، والوقوف بالمرصاد لما أسمته مع دفاع المتهمين بـ”مؤامرة يناير”.
وبحكم العشرة، وتواجد طاقم القناة بشكل مستمر مع المحكمة بدءا من غرفة المداولة وحتى كل شبر في القاعة، فتوددوا لهيئة المحكمة، ونسقوا معها بعض الأمور التقنية خلال الجلسات نفسها، لدرجة أن المحكمة استعانت بمراسلة القناة في تصوير تقرير من داخل غرفة تضم أحراز وأوراق القضية، وهو ما أثار علامات استفهام كبيرة في الأوساط الإعلامية، خاصة أنه كان واضحا أن المحكمة تبرر سبب مد أجل (تأجيل) النطق بالحكم في الجلسة الماضية، إضافة لعبارة القاضي: “شغّل يا أستاذ عمرو” – في إشارة لعمرو الخياط المسئول بالقناة – .
المفاجأة أن التنسيق المتصاعد بين القناة وهيئة المحكمة وصل لذروته بحضور المذيع أحمد موسى، إلى قاعة المحكمة لحضور إحدى الجلسات، وبعدها تم الاتفاق على مداخلة مبارك من مستشفى المعادي العسكري فور عودته من قاعة المحكمة، كنوع من أنواع رد الجميل، فالقناة سمحت له بتمهيد حكم البراءة بخطبته الأخيرة في القفص، ووقفت إلى جانبه لإقناع الرأي العام ببراءته وإلصاق التهمة بالإخوان، لكنها كانت قد صنعت انفرادا مهنيا مُهمًّا، أيّا كانت الطريقة أو الأسباب، وصدّرت اللوجو الخاص بها لمئات الشاشات وصفحات الجرائد.
وبغض النظر عن قانونية مداخلة مبارك وهو يقضى عقوبة الحبس على ذمة قضية القصور الرئاسية من عدمه – وبالمناسبة هي غير قانونية طبقا للوائح مصلحة السجون – فإن الظروف قادت القناة الفضائية لتصدر المشهد في أوقات هامة، ويبقى السؤال الأهم: “ماذا لو قررت كل القنوات عدم إذاعة الجلسات؟”، أعتقد أن الأمر كان سيتغير كثيرا، وأن المتابعة العادية لحكم البراءة – دون الجلسات المذاعة – كانت ستفاجئ الجميع بلا استثناء.