تسليم أهالي
دنيا شمعة
طُرح فيلم “تسليم أهالي” يوم 3 أغسطس الجاري بالسينمات في مصر والدول العربية، ليحقق خلال 14 يوم عرض 13 مليون و570 ألف جنيه، طبقا للأرقام المعلنة؛ الفيلم من تأليف شريف نجيب، وإخراج خالد الحلفاوي، وبطولة دنيا سمير غانم، هشام ماجد، دلال عبد العزيز، وبيومي فؤاد، وإنتاج شركتي roznama و synergy.
تدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي رومانسي مع بعض مشاهد الأكشن، حول “زاهية أبو الزواحف” فتاة متلهفة للزواج وتبحث عن عريس في كل مكان، والتي تجسدها دنيا سمير غانم، و”خليل أبو الزواحف” الطبيب الفاشل الذي يخطط للهجرة لكندا، والذي يجسده هشام ماجد، يتزوج والد “خليل” من والدة “زاهية” لتجمعهما الأحداث معا، ويكتشفا تاريخ عائلتهما الإجرامي، الذي يتورطان به رغما عنهما.
تم الانتهاء من تصوير الفيلم تقريبا منذ عامين، وتأجل عرضه لأكثر من مرة لأكثر من سبب أهمهم ظرف وفاة الفنان سمير غانم والفنانة دلال عبد العزيز، بطلة العمل، وهو الشيء الذي زاد من حماسة البعض للفيلم وانتظارهم له، وقلل حماسة البعض أيضا لتفكيرهم بمبدأ “فيلم مركون وهيطلعوه في أي وقت مفيهوش أفلام تقيلة”، ليتم طرحه في النهاية بعد شهر من طرح أفلام موسم عيد الأضحى، ويكون هو العمل الكوميدي العائلي الوحيد وقت عرضه.
بدأ الترويج للفيلم في منتصف يونيو، بطرح البوستر التشويقي، وبعد شهر تقريبا طُرح البوستر الرسمي للفيلم بإخراج متواضع وبدائي وفكر تقليدي، مما أعطى انطباع للجمهور بمستوى متدني للفيلم قبل عرضه، خاصة بعد طرح التريلر الرسمي الذي رسم صورة معاكسة للفيلم وقصته في خيال الجمهور، حيث أعطى انطباعا أن الفيلم فكرته مستهلكة وتدور حول ثنائي يجبران على الزواج بسبب عائلتهما، كما أعطى تركيزا لإظهار الإفيهات المستهلكة، على الرغم من كون تميز الفيلم وقصته نابع من كوميديا الموقف بين الأبطال بالأساس، كما غاب الترويج الإعلامي للفيلم بشكل جيد، سواء من خلال اللقاءات والحوارات الإعلامية لأبطاله قبل عرضه، أو حتى إقامة عرض خاص، وهو الشيء الذي حاول أبطال العمل تعويضه بمشاركة الجمهور مشاهدة الفيلم لأكثر من مرة في حفلات عادية بشكل عشوائي في سينمات مصر.
تبدل الانطباع الأولي الذي أعطاه التريلر للجمهور بمجرد دخول الفيلم، فبالرغم من بساطة الفكرة وهزليتها إلا أنها ليست مستهلكة، مما يخلق عناصر جذب جديدة للفيلم غير العناصر الأساسية التي أخفقت في مهتمها، أهمها بالتأكيد ستكون الفكرة، وأيضا وجود الراحلة دلال عبد العزيز ضمن الأبطال الأساسيين للفيلم، في دور “بثينة” والدة “زاهية”، والتي مع كل مشهد من مشاهدها، تؤكد على الفراغ التي تركته ممثلة بحجمها خاصة في دور الأم المصرية، ليكون الفيلم هو خير ختام في رأيي لأعمالها التي تم عرضها لأول مرة بعد وفاتها، والتناغم العبقري الذي فاجأ الجمهور، بينها وبين بيومي فؤاد، الذي جسد دور “صدقي” زوجها ووالد “خليل”، ساهم أيضا في خلق حالة جديدة ومختلفة من الكوميديا بالفيلم.
تعود دنيا سمير غانم من خلال “تسليم أهالي” للسينما، بعد غياب 6 سنوات منذ فيلمها الأخير “لف ودوران” مع الفنان أحمد حلمي، وقبله حققت نجاحا كبيرا في فيلمي “إكس لارچ” و”365 يوم سعادة” عام 2011 أي منذ 11 عام، لتجسد خلال الفيلم شخصية مختلفة عنها نسبيا بدون أي افتعال في الأداء أو تكرار، نظرا لكون الخط الدرامي للشخصية يتشابه مع عدد من الشخصيات الشهيرة في الدراما والسينما آخرها شخصية “رقية” في مسلسل “مكتوب عليا” وشخصية “علا عبد الصبور” في “عايزة أتجوز”، لتثبت للجمهور أن السينما والشاشة الكبيرة هو مكانها الطبيعي الذي خُلقت موهبتها له.
أما هشام ماجد، فالفيلم هو ثاني تعاون له مع دنيا سمير غانم بعد مشاركته معها بطولة الحكاية الثالثة من المسلسل الرمضاني “بدل الحدوتة 3” عام 2019، وهو تجربته الثانية أيضا في البطولة المنفصلة عن شيكو بعد فيلم “حامل اللقب”، الذي تم طرحه بداية العام الحالي، ليثقل خطواته بصورة أكبر فيما يخص أحقيته للبطولة المطلقة؛ خلال النصف الأول من الفيلم ظهر “هشام” بالصورة الكوميدية التي اعتاد الجمهور ظهوره بها في أعماله، وهي صورة مناسبة جدا لموهبته ككوميديان بالمناسبة، لكن المبهر بالنسبة لي كان أدائه خلال النصف الثاني من الفيلم.. لا أعرف إن كان السبب هو الكيمياء الشديدة بينه وبين دنيا سمير غانم، أو سبب أخر، لكن كل مشهد له كان يطرح سؤال وحيد في ذهن المشاهدين.. “لماذا لم يشارك هشام ماجد في بطولة فيلم رومانسي حتى الآن؟”.
الإطار الكوميدي الرومانسي الذي تدور خلاله أحداث الفيلم، مع مشاهد الأكشن الكوميدية السريعة، تعطي حالة مشابهة لأفلام نتفلكس الصيفية التي تبدأ بكراهية أو عداوة بين البطلين، وتنتهي نهاية تقليدية قد تكون متوقعة بعض الشيء، لكن مع ذلك تستمتع بتصاعد الأحداث، وأيضا الخط الدرامي لشخصية “زاهية” يشبه كثير من شخصيات إنتاجات نتفلكس، مثل شخصية “آنا” في “ready to mingle”، وشخصية “ديفي” في “never have i ever”، كما أن الفيلم مدته قصيرة نسبيا أيضا، مما يؤهله ليكون فيلم منصات في المقام الأول، ومن المتوقع بنسبة كبيرة أن يحقق نجاحا أكبر من نجاحه بالسينمات، عقب عرضه على إحدى المنصات الرقمية بعد انتهاء عرضه بالسينمات.
من أهم نقاط القوة بالفيلم، وجود عدد كبير ومميز من ضيوف الشرف وهم بترتيب الظهور: الفنان محمد طعيمة، والفنان نبيل الحلفاوي، والفنانة چيلان علاء، والفنان عبدالله مشرف، والفنان شيكو، والفنان عمرو وهبة، والفنان الراحل سمير غانم، والفنان محمد أوتاكا، والفنانة لوسي، والفنان أحمد فتحي، والفنانة شيماء سيف، والفنان محمد ممدوح.. كل هؤلاء تقنيا هم ضيوف شرف بالعمل، لكن فعليا جاء أغلبهم كنجوم أضافوا للفيلم ومستوى الكوميديا به بصورة كبيرة، وخاصة الفنان الراحل سمير غانم الذي ظهر في مشهد واحد لثوان معدودة، بعيدا عن القيمة التي يضيفها اسمه لأي عمل، إلا أن وجوده في الفيلم وظهوره على الشاشة بعد وفاته كان له وهج خاص جعلني في وسط مشهد مليء بالضحك بين شيكو وهشام ماجد، أسمع كل من في صالة السينما حولي يدعون له بالرحمة.
أما شخصية “المعلمة كبائر” التي جسدتها الفنانة لوسي، فكانت من أهم الشخصيات في رأيي بالنصف الثاني من الفيلم، والتي ساهم وجودها على زيادة تماسك الحبكة، وتصاعد الأحداث بشكل منطقي لنصل للشخصية الأكثر إضافة للفيلم، وهي شخصية “دكتور وفاء النيل” أو “الخسيس” التي جسدها الفنان محمد ممدوح.
هناك أحداث وشخصيات بالفيلم لم يكن لوجودها أي أسباب واضحة وأخرى لم يتم توظيفها والاستفادة منها بشكل صحيح، أبرزها الشخصية التي جسدها محمد أوتاكا، والتي لم تؤثر على الأحداث بأي شكل ولم يكن لوجودها سبب أو نتيجة، وأيضا كون “زاهية” تسجل أحداث حياتها اليومية على هاتفها توقع الجميع أن يكون لذلك أهمية مع تصاعد الأحداث أو يتم توظيف ذلك في نهاية الفيلم بصورة أفضل لكن ذلك لم يحدث، والجزء المفقود أيضا هو السبب خلف عدم الاستفادة من الأغنية التي غنتها دنيا في بداية الفيلم، فكان من الأفضل أن تكون أطول ويتم الاستفادة منها في الترويج للفيلم على الأقل.
View this post on Instagram
لكن ومع ذلك ورغم هذه المآخذ، يظل الفيلم جيد بشكل كبير وهو تجربة منعشة لنوعية الكوميديا التي تم تقديمها في أفلام 2022 حتى الآن، أشرف عليها مخرج مميز قادر على رفع فعالية المواقف الأكثر كوميدية كالمخرج خالد الحلفاوي، ومؤلف قادر على توفير أماكن مناسبة للكوميديا بدون إفراط في الإيفيهات، مع وجود خط رئيسي متماسك لدرجة كبيرة ويتطور مع مرور الوقت، وإن كانت النهاية تقليدية ومتوقعة، والأهم كونه فيلما مناسبا للمشاهدة العائلية قادر على إضحاك المشاهد بدون تسول.