بعد غياب دام لأكثر من 10 سنوات، عاد النجم العراقي الكبير كاظم الساهر للغناء في مصر، من خلال حفله الأخير في الساحل الشمالي ثم دار الأوبرا المصرية، وليلتقي بجمهوره أيضًا عبر شاشات التلفزيون من خلال حواره مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامج “معكم منى الشاذلي“، المذاع على قناة cbc.
بالأمس، وعلى مدار نحو ساعتين ونصف الساعة، تحدث القيصر كما لم يتحدث من قبل، فتصدرت تصريحاته مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعل الجمهور مع حكاياته التي تُروى لأول مرة.
(1)
تميز كاظم الساهر بالأمس يعود بالأساس لكونه كان مختلفًا، كان هادئًا، كان طبيعيًا أمام جمهور تعوّد على مدار السنوات العشر الأخيرة على سماع صوته في الغناء فقط، وليس الحكايات والتفاصيل والذكريات. اختلاف النجم العراقي كان واضحًا، وأسبابه واضحة كذلك. فالحوار يأتي بعد غياب لسنوات طويلة عن جمهوره في مصر، سواء على صعيد الحفلات أو اللقاءات التليفزيونية، وبالتالي الاشتياق متبادل بين النجم والجمهور.
(2)
خلال اللقاء أجاد القيصر الظهور والرد على الأسئلة والتفاعل مع الجمهور، معتمدًا على صفتين قلّما اجتمعتا في لقاءات المشاهير، ألا وهما العفوية والهدوء، فقد تحدث وأضحك الجمهور بإجابات وأمور طريفة وبشكل عفوي دون أن يتغير الهدوء ودرجة الصوت أو يتحرك من مكانه بشكل عشوائي كما يفعل الكثيرون.
(3)
حتى على صعيد المظهر لم يكن متكلّفًا، بل جاء بإطلالة كاجوال بسيطة، مكونة من بنطال أسود وقميص رمادي، مما يعطي انطباعًا مميزًا للحضور، خاصة في ظل تكامل بساطة المظهر مع عفوية الحديث واتزانه.
(4)
وعلى ذِكر الحديث وتفاصيله، أجاد كاظم الساهر الحديث عن أيام الفقر والمعاناة بشكل متزن، فلم يتبرأ منها ولم يحكها بافتخار أو انكسار في الوقت ذاته كما يفعل البعض. بل تستمع لما رواه عن معاناة الفقر في طفولته وشبابه، والمهن المختلفة التي عمل بها قبل الغناء، بشكل طبيعي بدون مبالغات، بل كان يتندّر أحيانًا على ضعفه وعدم استطاعته “حمل التراب” في ذلك الحين، وكيف ترك المهنة ولم يكملها، وكذلك عمله في معمل للسجاد. كل ذلك كان يرويه بشكل متوازن يغلب عليه استدعاء الذكريات بعفوية والحديث بجدية في مجمل الأمور.
(5)
لا يمكن الحديث مع كاظم الساهر دون الحديث عن المرأة والحب، فهو أفضل من أجاد التعبير عنهما في قصائده، لا سيما تلك التي تعاون فيها مع الشاعر الراحل نزار قباني. لذلك جاء حديثه عن المرأة مميزًا ومختلفًا، سواء فيما يتعلق بوفائه لأم أولاده الراحلة رغم انفصالهما، أو حديثه عن المرأة بشكل عام، وكيف أن وجودها في حياة الرجل فضل كبير، لذلك لا يقلل من شأنها بالأقوال والأفعال إلا رجل جبان، على حد تعبيره. وهو التصريح الذي تفاعل معه جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، خاصة أنه تزامن مع تريند متعلق بمدى إلزام الزوجة بخدمة زوجها وإرضاع أطفالها. وبالتالي جاء حديثه عن احترام النساء بمثابة وجهة نظر ثالثة في القضية، بعيدًا عن تسليع المرأة أو تجاهلها.
(6)
لا يمكن اعتبار كاظم الساهر مجرد مطرب متميز، دون الالتفات لهويته ومدى ارتباط اسمه ببلده العراق، وكيف لا تخل مسيرته الفنية على امتدادها لأكثر من 30 عامًا عن دعم شعبه ووطنه، واستخدام الغناء واللقاءات للإشارة لفخره بوطنه، ومعاناته في ظل حروبه. وهو ما يضفي مصداقية على أحاديثه في هذا الشأن، خاصة أنه أكد بالأمس أن معظم ألحانه التي قدمها كانت وقت الحرب… “(مدرسة الحب) عملتها وقت كانوا يحرقوا في بغداد بالصواريخ، كثير من الأعمال ولدت في الحرب.. عشنا بطريقة صعبة جدا.. الله لا يشوّفها حتى للعدو”.
(7)
على مدار مسيرته الفنية، يبتعد كاظم الساهر بعائلته وحياته الشخصية عن الجمهور قدر الإمكان، مهتمًا بالتركيز بشكل أكبر على مشروعه الغنائي وما يقدمه للفن بشكل عام. لذلك كان ظهور نجله “عمر” خلال الحلقة بالأمس مميزًا ولافتًا للانتباه، حيث تحدث عن والده في كلمات مقتضبة عن دبلوماسية كاظم الأب، وأنه ليس ديكتاتورًا في المنزل، وكيف أدركوا طباعه، خاصة فيما يتعلق بكونه “بيتوتي” للغاية، ولا يفضل الخروج
والسهر.
(8)
هذا الوجه الآخر للنجم العراقي الكبير كاظم الساهر ظهر بشكل هادئ ومتزن في حلقة الأمس، وهو ما يحسب له ولمقدمة البرنامج كذلك، الإعلامية منى الشاذلي، التي وصفها القيصر في نهاية اللقاء بالإعلامية القوية المتميزة، التي تمكّنت من استخراج أحاديث ومواضيع بداخله لم يكن يتوقع أن يتحدث عنها إعلاميا في يوم من الأيام، مثل حديثه عن أم أولاده الراحلة. قائلا: “أنتي رائعة وقوية.. طلعتي منّا أشياء ما كنا نقدر نقولها.. وكأنك مو مسوية شي!”.