محمد حليم بركات يكتب: المسكوت عنه في الحملة الإعلامية لتعديل الدستور

عاشت مصر حالة من التوتر السياسي والإجتماعي بعد الثلاثين من يونيو 2013 .. وفي خضم هذه الحالة كان الجميع يترقب المنتج النهائي الصادر عن الجنة المُشكلة من خمسين عضواً في الأول من سبتمبر لنفس العام والمنوط بها حياكة التعديلات الدستورية على الدستور الصادر في 2012 التي أوصت بها لجنة العشرة المؤلفة من الخبراء القانونيين في العشرين من أغسطس لنفس العام.. وجاء المنتج النهائي متباين الأراء حوله, فمن المصريين من أحب المنتج كله ومنهم من رفضه كله ومنهم من قبل بعضه ورفض الأخر.. لكن كان العامل المشترك في القبول هو مواد نظام الحكم, والتي كان يبرزها المروجون للدستور في الإعلام وكانت تلقى إستحساناً من الجميع.. فيما عدا هؤلاء الرافضين لما حدث في الثلاثين من يونيو.

لماذا فجأة جاء الرفض الأن لمواد نظام الحكم التي كانت مصدر فخر وكانت سبباً في موافقة 98% من المصريين المصوتين للدستور؟

في البداية يجب معرفة المواد المغضوب عليها من مواد نظام الحكم في الدستور والتي تتشابك فيها العلاقة بين رئيس الجمهورية ومجلس النواب وهي:

مادة (146)

يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته علي ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا علي الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا، عُدٌ المجلس منحلًا ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يومًا من تاريخ صدور قرار الحل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفى جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على ستين يومًا. وفى حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. في حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل.

مادة (147)

لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس.

مادة (161)

يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً علي طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب علي الأقل، وموافقة ثلثي أعضائه. ولا يجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة.وبمجرد الموافقة علي اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه ويُعد منصب رئيس الجمهورية خاليًا، وتجري الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء.وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عُد مجلس النواب منحلًا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الحل.

وفقاً لهذه المواد فقوة البرلمان تساوي قوة الرئيس ولا يستطيع إحداهما فرض قوته وسيطرته على مفاصل الدولة إلا بموافقة الأخر.. وهذا مالا يرضي الرئيس نفسه.

عندما صيغ الدستور كان أهم ما يشغل الدولة والرئيس المحتمل وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع أن ذاك هو نزول أكبر عدد من المصريين للتصويت على الدستور مقارنة بدستور 2012 الذي شارك في التصويت عليه 32% من الشعب.. لإكتساب شرعية دستورية للنظام الجديد أمام العالم وهو ما حدث بالفعل حيث صَوت على الدستور 38% من الشعب بفارق 6% عن ما سبقه.

هل كان الرئيس المحتمل لا يعلم أنه ليس صاحب الصلاحيات الكبيرة؟

بالقطع لا.. كان يعلم كل تفصيلة في الدستور, ولكن لم يكن يريد أن يُنشأ صراعاً داخل اللجنة من خلال بعض رجالة الموجدين بين الخمسين عضواً حفاظاً على سرعة إصداره وكي لا يشير هذا ولا ذاك إلى أن النظام في حالة لخبطة سياسية.. وفي نفس الوقت كان يعلم أنه سيظل لفترة طويلة يغرد وحيداً في السلطة ومنفرداً بالسلطتين التنفيذية والتشريعية, وسيحصل على الفرصة الكاملة لإصدار جميع القوانين التي من خلالها يستطيع إحكام قبضته على الدولة خلال فترة حكمه حتى بعد وجود مجلس النواب, حيث أصدر عدلي منصور 48 قانوناً يمس التعامل المباشر بن الرئيس والشعب من جهة والرئيس والأجهزة التنفيذية والرقابية من جهة أخرى غير 40 من القوانين الأخرى, وفي نفس السياق أصدر عبد الفتاح السيسي 63 قانون في نفس السياق غير 98 من القوانين الأخرى.. غير أنه كان يراهن على شعبيته الكاسحة والتي يستند عليها في أي صراع نشأ أو سينشأ بينه وبين أي طرف أخر.

هل تمت معرفة توجهات أعضاء البرلمان كي يخشى الرئيس من صدام محتمل مع البرلمان.. ومن ثم يُصدر توجهاته للإعلام لتبني حملة لتعديل ثلاثة من مواد نظام الحكم الدستور؟

من المتوقع عند أجهزة الدولة أن بنسبة تزيد عن الـ 70% من أعضاء البرلمان المرتقب سوف تكون موالية تماما للرئيس وهم أعضاء الحزب الوطني المُنحل وبعض من رجال الأعمال الجدد وأبناء شُبان لرجال أعمال أخرين.. و25% هم على الحياد لا هم معارضين ولا هم مواليين.. و5% من السلفيين ونوادر من المعارضين وهؤلاء سوف يتحدثون بالكاد وينصتون لأنفسهم فقط وسط جيش المواليين.. وهذا البرلمان لن يُحدث ثمة صدام مع الرئيس أو الحكومة.. لكن الرئيس يريد إستغلال برلمانه الموالي له في تعديل ما يريد من مواد الدستور خوفاً وتحسباً من البرلمان الذي سوف يليه والذي من المتوقع أن يكون أغلبيته معارضة للرئيس في الدورة الإنتخابية الثانية تارة لأن إهتمامات البرلمان الحالي لن تجب في مصلحة المواطنين البسطاء.. لأنهم من الأثرياء.. وتارة أخرى تحسباً لأن الإخوان سوف يشاركون في البرلمان بعد القادم بسبب المصالحة المتوقعة والحتمية.. وهو بالقطع ما سوف يسبب إضطرابات مع الرئيس ونظامه.. وهذا ما يبرر التخوف الكبير واذي صرح به الرئيس قبل يومين بأن “البرلمان صيغ بحسن النوايا” بعد أن علمت بأنه قد صدرت تعليمات لكثير من الإعلاميين وبعض لكتاب الصحفيين بتبني هذه الحملة ليصنعوا بأيديهم رأي عام يستند عليه الرئيس والبرلمان بأن التعديلات الدستورية.. مطالب شعبية.

من الأفضل للرئيس وللإعلاميين الذين أصبحوا رهن إشارة النظام؛ إذا أرادوا إنشاء رأي عام لتعديل هذه المواد أن يعلنوا بوضوح أن السبب الحقيقي للخوف هو مشاركة البرلمان بعد القادم الصلاحيات والقوة الموازية للرئيس والذي يتوقعون أنه ليس موالي للرئيس.

لكن من الأفضل للشعب الإصرار على إبقاء الدستور كما هو كي يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي أو غيره في الصلاحيات والقوة جميع البرلمانات المتعاقبة, تحسباً لإنفلات الرئيس بصلاحياته.. خاصة وأن الرئيس والبرلمان يأتون باختيار الشعب نفسه ومُعبر عنه.. فالشعب يرى الأصلح والأصوب له ويتحمل إختياراته.

اقرأ ايضا : 

محمد حليم بركات: السيسي يعفو عن المرغني بعد حفلة الإبراشي

محمد حليم بركات: إعلام الحالات الشاذة

محمد حليم بركات : هل يفكر إسلام أم يشكك ؟

محمد حليم بركات: رسالة إلى ليليان داوود

محمد حليم بركات: موقف محرج في فيلا إعلامي شهير

.

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا