انتشرت كالنار في الهشيم، في كل شارع عام أو فرعي، في المراكز التجارية، وحتى في المستشفيات ستجد الكافيهات بأشكالها المتنوعة. لم يكن كذلك الحال من عشرة سنوات، كان هناك البعض المميز منها في أماكن معدودة. لكن ثقافة القطيع تجعل الكثيرين يجدون فيها استثماراً جيداً لأموالهم ولثقتهم بأن هناك نسبة كبيرة من المستهلكين سيصبحون من عملائهم، ليس بالضرورة لجودة ما يقدمون من خدمات ولا لندرة ما يصنعون من أطعمة أو مشروبات ولكن هي ثقافة التقليد الأعمى. ستجد الكثير من مرتادي تلك الكافيهات بدأ في ارتيادها لا لشيء إلا التقليد وأنه ليس أقل من الآخرين والذين يظهرون بمظهر ثري وهم يرتادون تلك المقاهي الحديثة فيسعى أبناء الطبقات الأدني لمحاكاتهم طلباً لشعور السعادة التي قد يرونها هم في سلوك آولئك الأثرياء.
أصبح لبعض من تلك المقاهي فروعاً في مناطق مختلفة وأنقسم الرواد إلى فرق تبعاً للمقاهي حتى للتعبير عن الاختلاف السياسي فظهر لنا في السنوات القريبة جماعة سمت نفسها بسلفيو كوستا (سلفيين لكنهم متمدنين يشربون الكابوتشينو في كوستا) ومجموعة أخرى في اتجاه آخر تسمى بعلمانيو سيلنترو ولكل من المجموعتين تواجد لا بأس به على شبكات التواصل الاجتماعي ما بين فيسبوك وتويتر، وهناك الكثير من النماذج التي تربط بالتواجد في المقاهي للدراسة وحتى لإتمام الأعمال.
في السابق كان للمقهى سمة مميزة تتعلق بمرتاديه فهذا مقهى يرتاده الأدباء والمثقفين كمقهى ريش وآخر مماثل له يتربط بأديب معين وسمى بإسمه كمقهى نجيب محفوظ في خان الخليلي، ومقهى بعره في شارع الريحاني المعروف بمقهى تجمع ممثلي الأدوار الثانوية في الأعمال الفنية، ومقهى وحلواني جروبي في وسط البلد المعروف بمرتاديه من الأجانب والصفوة، وكان هناك قهوة الصنايعية، ويمتد التصنيف حتى أن تجد قهوة الحرامية والتي توجد لها نسخ في عدة محافظات وتوجد بالعادة بجوار مديريات الأمن حيث يجلس إليها المقبوض عليهم أثناء ترحيلهم من المديرية إلى جهات أخرى أو ذويهم في انتظار مصير المقبوض عليه .
كان المقهى يأخذ صبغته من مرتاديه أما الآن انعكس الوضع وأصبح المقهى هو من يصبغ مرتاديه بطابعه وبطريقته. أصبح هناك مقاهي ذات صبغة متخصصة في الرياضة فقط فتجد بها كل اشتراكات القنوات الفضائية الرياضية وحتى الديكور مطعم بكرات القدم وشباك المرمى وكل الشاشات التليفزيونية تعرض لا شئ سوى الرياضة على مدار الساعة.
الكافيه أو المقهي اصبح ملاذ كل مستثمري السياحة التي تعطلت لسنوات وأصبحت لا تغني ولا تسمن من جوع، ليس لما نمر به من اضطرابات سياسية وحسب ولكن لإهمال أولئك المستثمرين في اعمالهم وعدم إلحاقهم العمالة المدربة وحرصهم على الاستفادة السريعة من الزبون وليست المستدامة فتحولت كافة المنتجعات للتسويق في الداخل على طريقة التايم شير وأهمل التسويق الخارجي، وفي نفس الوقت يشتكون مر الشكوى من العميل المحلي لأسباب ظاهرها سوء استخدام العميل المحلي لمقدرات المنتجع وفي واقع الأمر أنهم لا يستطيعون الربح بالنسبة التي يرغبون بها من العميل المحلي كما يحدث مع استغلالهم للعميل الأجنبي.
وفي سياق آخر ومع انتشار الكافيهات وكثرة مرتاديها وتنوع اهتمامتهم ينعكس هذا الأمر على آرائهم وعلى طريقة تعبيرهم عنها فستجدها تماماً تمثل تلك المقاهي الحديثة التي تم تجيزها بالعديد من شاشات العرض، تعرض قنوات غنائية أو رياضية لكن بدون صوتها الحقيقي ويذاع في السماعات أغاني آخرى مختلفة تماماً عما تراه على الشاشة مما يجعلك تشعر بازدواج الشخصية، الأمر نفسه عند تصفحك للعديد من المواقع والصحف وحتى الأشخاص فتصدم من تباين الآراء لنفس الجهة أو الشخص، فهنا تجده متشدد دينياً في رأي ما يتبعها بنكتة خارجة أو صورة عارية يليها رأي متطرف سياسياً يتناقض مع توجهه العام.
كان حديث المتقعرين ومدعى الثقافة الجالسين على مصطبة للتسامر بإبداء الرأي في أي شيء يوجد تحت الشمس، كان يطلق عليه تعبير “كلام مصاطب” والآن يوجد العديد من الآراء التي نقرأها أو نستمع إليها لا تتعدى كونها حديث مصاطب أو فلنقل “كلام كافيهات” .