خاص – إعلام دوت كوم إلغاء الاحتفال بمئوية منير مراد
للمرة الثانية خلال نفس الشهر يتعرض مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط لانتقادات حادة، الأولى كانت بسبب قائمة أفضل 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية، حيث اختلف الكثيرون حول معايير الاختيار، لكن المهرجان عاد وتعرض لعاصفة أعنف بعد اعلانه التراجع عن تنظيم مئوية الموسيقار المصري الراحل منير مراد بحجة عدم التيقن من تاريخ ميلاده الحقيقي!!
يُعد مهرجان الإسكندرية حالة فريدة في خريطة المهرجانات المصرية، فرغم كونه الثاني من حيث الأقدمية والتأثير بعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لكنه يتعرض سنويا لانتقادات حادة تخص التنظيم من جهة والمحتوى الفني من جهة أخرى، ورغم تعاقب وزراء الثقافة في مصر طوال السنوات العشر الأخيرة، لكن يدا لم تتدخل من أجل تعديل المسار والوقوف على الأسباب الحقيقية وراء تلك الأزمات المتتالية والتي تتصدرها مقاطعة معظم أبناء المحافظة المستضيفة للفعاليات بجانب تعرض العديد من النجوم لمواقف محرجة لأسباب معظمها لوجيستية، إضافة لعدم الالتزام الكامل بلوائح المهرجان الذي يستضيف أحيانا سينمائيين خليجيين ومن بلدان لا تطل على البحر المتوسط، وصولا لما جرى بخصوص الدورة المقبلة (5 – 10 أكتوبر) والتي يحاول من خلالها المهرجان تقديم وجبة دسمة لاستعادة مكانته لكن كل الخطط حتى الآن تحولت إلى “أسلحة فاسدة” تصيب من أطلقها.
بداية تحمل الدورة اسم الفنان محمود حميدة، لكن لا أحد فسر ما علاقة حميدة بإهداء الدورة لنجوم الكوميديا، حيث يحمل البوستر الرسمي رسوم كاريكاتورية للعديد منهم، علما بأن هناك تقاربا كبيرا بين هذا البوستر وتلك التيمة ودورة مهرجان القاهرة 1999 التي تم أيضا اهداءها لنجوم الكوميديا ببوستر مماثل، وبهذه المناسبة أطلق “الأسكندرية” قائمة لأفضل 100 فيلم كوميدي دون أي إعلان أو نقاش سابق، كان الموضوع مفاجأة للكثيرين وبدأت سلسلة من الانتقادات بسبب وجود أفلام مثل “الأيدي الناعمة” و”بحب السيما” وتصنيفها بأنها كوميدية، واكتفت أصوات منسوبة للمهرجان بالرد بأن الاختيارات تعبر عن آراء النقاد المشاركين وأن من حق كل لجنة تجتمع للسبب نفسه اختيار أفلام أخرى.
لم تكد تلك الأزمة تهدأ، حتى هبت عاصفة منير مراد، حيث تم الإعلان قبل أيام عن إلغاء الاحتفال بمئوية الموسيقار المصري البارز، الذي يعتبره الكثيرون من المظلومين إعلاميا في سيرة الفن المصري بالقرن العشرين، لتأبى إدارة مهرجان الإسكندرية أن تزيد من هذه “المظلومية” وتؤكدها عبر سلسلة من القرارات العشوائية والتبريرات التي اعتبرها الكثيرون “واهية”.
القصة من البداية تعكس أن “سوء الإدارة” هو عقيدة يؤمن بها ويخلص لها القائمون على هذا المهرجان، بالرجوع إلى قرار التكريم نجده صدر يوم 11 أغسطس الماضي، أما قرار الإلغاء فصدر منتصف سبتمبر الجاري، وقال أشرف غريب معد الكتاب التذكاري عن مراد والذي تركه المهرجان يقف أمام المدفع بمفرده، أن السبب هو عدم وجود تاريخ موثق لميلاد منير مراد، وأن هناك ترجيحات بأنه مواليد 1924 أي أن مئويته تحل بعد عامين، ونستنتج مما سبق أن المهرجان عندما أعلن عن التكريم لم يكن قد تحقق بعد من تلك المعلومة البديهية، هذا من جهة، والأهم أن الكتاب كان سيكتب ويعد ويذهب للمطبعة خلال شهرين على أقصى تقدير هي الفترة الفاصلة بين موعد الإعلان عن التكريم وموعد انطلاق المهرجان، لأنه لو كانت الفكرة اقدم من ذلك وبدأ الإعداد لها قبل أغسطس بما يليق باسم منير مراد وبتاريخ مهرجان الإسكندرية بالتأكيد كانت قصة “سنة الميلاد” ستكون محسومة مبكرا وقبل أي إعلان رسمي، بل أن الصفحة الرسمية للمهرجان – يتابعها 14 ألف شخص فقط – لاتزال تحتفظ بمنشور التكريم كما هو ولم يتم نشر أي بيان أو اعتذار بخصوص الإلغاء.
ما سبق يشرح الأزمة على المستوى الإداري، لكن في مصر أي جدل يذهب بأطرافه إلى مساحات غير متوقعة، بداية من الدهشة حول دقة تاريخ الميلاد بالأساس، كون المتعارف عليه هو يناير 1922، والوفاة أكتوبر 1981، بالتالي كان على المهرجان أن يفعل كما فعلت دار الأوبرا المصرية التي أحيت مئوية مراد مطلع العام الجاري ولم تتوقف أمام التضارب الذي هو بالمناسبة مرتبط بأن مراد لم يحمل أوراقا تثبت جنسيته المصرية رسميا، لكنه ولد ومات وأبدع في مصر، وتعرض هو وشقيقته الأكبر ليلى مراد لحملات عدة بسبب ديانتهم الأولى “اليهودية” رغم ثبوت إسلامهما وعدم وجود دليل واحد على اتصالهما بدولة إسرائيل عكس كل الادعاءات التي طالتهما وخصوصا ليلى.
تلك القضية عادت للواجهة من جديد حيث توقع البعض أن يكون السبب الحقيقي لارجاء التكريم هو الخوف من انتقادات بسبب الديانة الأصلية لموريس زكي مراد أو “منير مراد”، لكن أشرف غريب رفض الفرضية ودافع عن نفسه بأنه صاحب كتاب “الوثائق الخاصة لـليلي مراد” والصادر عام 2016 والذي حمل دفاعا عن مصريتها وإسلامها وفند ادعاءات عملها لصالح إسرائيل، وتمسك “غريب” بأن السبب الحقيقي للأزمة هو عدم التحقق من تاريخ الميلاد، مشددا على إمكانية إقامة المئوية في دورة لاحقة متحفظا على اقتراح إقامتها هذا العام اعتمادا على التاريخ الأكثر شيوعا حيث لم تكن إدارة المهرجان لتلام لو ثبت لاحقا أنه ليس من مواليد 1922 .
الأصوات المساندة لمنير مراد، اقترحت أن يتم التكريم بعد حذف كلمة “المئوية”، مذكرة بأن الفنان الراحل توفى في صمت بسبب انشغال مصر وقت وفاته بخليفة الرئيس أنور السادات (رحل مراد في 17 أكتوبر 1981 )، وعاد للواجهة كتاب “التياترجي ..منير مراد” للناقد والمصور الراحل وسام الدويك، وانطلق سؤال حول حاجة المهرجان أصلا لكتاب جديد كان سيكتب ويطبع في أقل من 60 يوما، فلماذا لا يعاد تقديم محتوى الدويك والذي أشاد به كثيرون وقت صدوره عام 2013 ، كل تلك الأسئلة اختارت إدارة المهرجان إجاباتها بالصمت كما اعتادت في مواجهة الأزمات المتتالية وأحدثها – وليس أخرها- إلغاء مئوية تكريم منير مراد المصنف ضمن الجيل الثالث لمجددي الموسيقى المصرية مع كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي.