منذ أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي تصريحه حول أن “الدستور المصري كتب بنوايا حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط” والجدل لم يتوقف.
فهناك من رأي أن ذلك إشارة قوية من الرئيس على عزمه تعديل الدستور، وهناك من رأى أن الدستور غير مقنع للرئيس، والأكثر وخاصة من أصحاب التأييد الأعمى التقطوا التصريح باعتباره كرة ثلج وأخذوا يعملون على تكبيرها أكثر وأكثر بل ويطالبون الرئيس صراحة بتعديل الدستور ويرون أنه سيجعل البرلمان معرقلا لمسيرة البلاد ويعوق خطوات الرئيس.
والأغرب في كل الفرق السابقة هي فرقة التأييد الأعمى، لأن أعضاء هذه الفرقة بالقطع صوتوا على هذا الدستور دون حتى مناقشة ولا قراءة بل وكانوا يخونون كل من انتقد هذا الدستور حينما كان مشروعا، ولكن سبحان الله تجدهم الآن يحللون لأنفسهم ما حرموه على غيرهم.
وبالقطع هذا درس كبير لهم، مفاده أن ما يعتبرونه خيانة الآن سينتهجونه ويلجأون إليه غدا، ومن ثم عليهم التعامل مع السياسة والنقد بعين فاحصة دون التخوين أو المصادرة على المختلفين.
ولكن بعيدا عن كل ذلك، أجد أنه من المهم بمكان أن أطرح تساؤلا مفاده: ماذا لو كتبنا الدستور بنوايا سيئة؟
فكون الرئيس يقول إن الدستور كتب بنوايا حسنة فهذا تأكيد وجزم منه بأن ما حلم به كاتبوا الدستور لو تحقق فهو جيد للبلاد، ومن ثم فذلك يستوجب الإدارة الحسنة والتطبيق الحسن لهذا الدستور والعمل على خلق ثقافة سياسية ومجتمعية وإدارية توازي ما يحمله هذا الدستور من حسنات للبلاد ويعمل على تحقيقها واقعيا بدلا من النظر إليه نظرة العاجزين عن تحقيقه على أرض الواقع واستسهال اتهامه بتعويق مسيرة البلاد والرغبة في تعديله.
وأعود مرة أخرى لسؤالي: ماذا لو كتبنا الدستور بنوايا سيئة؟
يعني مثلا ماذا لو افترض كاتبو الدستور سوء النية بالرئيس المقبل ولم يمنحوه سلطة
التشريع في غياب البرلمان وكانوا قصروها فقط على البرلمان بعد انتخابه؟
وماذا لو افترض كاتبو الدستور سوء النية في البرلمان ولم يمنحوه حق إبداء الرأي في الحكومة قبل تشكيلها؟
وماذا لو افترض كاتبو الدستور سوء النية في الحكومة ولم يمنحوها صلاحية مشاركة الرئيس في الصلاحيات والقرارات والقوانين؟
وماذا لو افترض الشعب كله سوء النية في كاتبي الدستور ولم يصوتوا لهذا الدستور بنعم؟
تخيل الوضع وقتها، بالطبع فإن سوء النية لا يحرك البلاد قيد أنملة، ولكن حسن النية يبعث على الطمأنينة التي تجعل الشخص يتشجع ويتحرك ويجرب ويغامر، والمثل يقول “يفوز باللذات كل مغامر”.
فإذا كان الدستور كتب بحسن نية، فهذا أفضل بالقطع من أن يكتب بسوء نية، ومن ثم علينا المحاولة الجادة لتنفيذه وليس المصادرة عليه وكأننا نطالب بأن يكون دستورا سيء النية.