إيلون ماسك
أسماء مندور
تصدر المشهد في إيران الساحة الدولية مؤخرًا بعد اندلاع الاحتجاجات في أنحاء البلاد التي أشعلتها شرارة وفاة فتاة كردية في قسم الشرطة بعد القبض عليها بسبب عدم ارتداء الحجاب، لكن سطع مشهد آخر مثير للاهتمام، وهو محاولة إيلون ماسك تقديم خدمة الإنترنت للمتظاهرين بعد أن قامت الحكومة الإيرانية بقطع الإنترنت عن المستخدمين، وهو ما يلقي الضوء على تأثير رجال التكنولوجيا على المشهد السياسي العالمي، وكيف أصبحوا قوة مؤثرة في تغيير موازين الحروب الحديثة.
الأزمة الإيرانية بدأت منذ أيام، عندما اندلعت الاحتجاجات في إيران التي أشعلتها شرارة وفاة مهسا أميني، وهي فتاة كردية تبلغ من العمر 22 عامًا كانت تحتجزها شرطة الأخلاق، بزعم ارتدائها الحجاب “بطريقة غير لائقة”، وأفادت الرواية الرسمية من الحكومة أن أميني لقيت مصرعها على إثر أزمة قلبية أو سكتة دماغية، لكن أسرتها والمتظاهرون يقولون إنها توفيت متأثرة بجروح أصيبت بها من الضرب على يد الشرطة.
كانت أولى خطوات الحكومة الإيرانية لقمع الاحتجاجات، التي راح ضحيتها عشرات المواطنين، هي فرض قيود صارمة على الوصول إلى الإنترنت، حيث تم حظر إنستجرام وواتس آب، وهما اثنتان من منصات التواصل الرئيسية التي تسمح بها إيران عادةً، وقد أصبحا شائعين بشكل متزايد بعد أن حظرت السلطات منصات أخرى في السنوات الأخيرة، بما في ذلك فيسبوك وتويتر، كما تم إغلاق تيليجرام، ويوتيوب، وتيك توك بشكل دوري.
وكتب آدم موسيري رئيس إنستجرام على تويتر: “الناس في إيران محرومون من التطبيقات والخدمات عبر الإنترنت”، مضيفًا: “نأمل أن يعود حقهم في الاتصال بالإنترنت بسرعة”، لكن اتهم البعض شركة “ميتا” بالتواطؤ مع الحكومات في قطع الخدمة عن المستخدمين.
People in Iran are being cut off from online apps and services. Iranians use apps like Instagram to stay close to their loved ones, access timely and important information and stay connected to the rest of the world. We hope their right to be online will be reinstated quickly.
— Adam Mosseri (@mosseri) September 22, 2022
عادةً، يتم تقييد الوصول إلى مواقع الويب بواسطة عوامل الرقابة الحكومية، ويمكن فقط لمن لديهم شبكات افتراضية خاصة VPN الوصول إلى المحتوى غير الخاضع للرقابة من مواقع الويب الخارجية، لكن هذا الحظر يبدو مختلفًا، حيث يأتي انقطاع الإنترنت إلى حد كبير من كون أكبر مشغل لخدمات الهاتف المحمول في إيران غير متصل بالإنترنت، مع العلم أن شركة إيران للاتصالات لديها أكثر من 60 مليون عميل.
في وقت سابق من الأسبوع، ألقى وزير الاتصالات باللوم على أسباب أمنية في التعطيل، لكن قال أحد المسؤولين من منظمة NetBlocks، وهو منظمة مراقبة مهمتها مراقبة الأمن السيبراني وحرية الإنترنت، في تصريح لـ BBC إن الإنترنت هو أحد أهم الأدوات التي تضعها السلطات الإيرانية في الاعتبار عندما تندلع الاضطرابات في الشوارع”، مشيرًا إلى أنه بسبب عدم وجود شبكة بث خاصة في إيران، فإن الإنترنت هو “المكان الوحيد” الذي يمكن للمواطنين مشاركة أصواتهم فيه.
قطع الاتصال بالإنترنت على الصعيد الوطني هو الخيار الأول للسلطات الإيرانية، ولا يتم تفعيله إلا عندما تصبح الاحتجاجات على نطاق يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام، حيث يعتبر أداة فعالة تضر بشدة بقدرة المتظاهرين على التنظيم والتواصل ونقل الوقائع للعالم الخارجي، لكنها تحمل أيضًا تكلفة باهظة على الاقتصاد الإيراني وشركات الاتصالات والخدمات العامة. ومع ذلك، أظهرت السلطات الإيرانية مرارًا وتكرارًا أنه عندما تواجه خيارًا بين ضربة قاسية للاقتصاد وقمع الاضطرابات السياسية بأي ثمن، فإنها ستختار الخيار الأخير دائمًا.
بدوره، أعلن رجل الأعمال إيلون ماسك عن تنشيط خدمة الإنترنت “ستارلينك – Starlink” التابعة لشركته في إيران، وستارلينك عبارة عن كوكبة من الأقمار الصناعية لتقديم خدمة الإنترنت، تديرها شركة SpaceX المملوكة لـ إيلون ماسك، وتوفر تغطية الوصول إلى الإنترنت عبر الأقمار الصناعية إلى 40 دولة، كما تهدف أيضًا إلى تقديم خدمة الهاتف المحمول العالمية بعد عام 2023.
وصفت الحكومة الأمريكية وفاة الفتاة بأنها مأساة، وأصدرت توجيهات خففت القيود المفروضة على شركات التكنولوجيا التي تسعى للعمل في إيران، والتي لا تزال تخضع لعقوبات صارمة من الولايات المتحدة، حيث سمحت الحكومة الأمريكية لتلك الشركات بالعمل في إيران في الوقت الحالي بموجب ترخيص.
We took action today to advance Internet freedom and the free flow of information for the Iranian people, issuing a General License to provide them greater access to digital communications to counter the Iranian government’s censorship.
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) September 23, 2022
من جانبه، أفاد مسؤول في الحكومة الأمريكية في بيان أن الترخيص يوسع نطاق صادرات البرامج والخدمات المسموح بها إلى إيران، ويسمح للشركات بتوفير أدوات تشمل منصات التواصل الاجتماعي، ومنصات التعاون والمؤتمرات والألعاب الإلكترونية والخدمات المستندة إلى السحابة (كلاود).
المثير في الامر أن خدمة “ستارلينك”، التابعة لـ إيلون ماسك، لا تتوافق مع أي من الأمثلة التي قدمتها حكومة الولايات المتحدة، مما يعني أنه ليس من الواضح ما إذا كان إيلون ماسك يريد مساعدة المتظاهرين الإيرانيين أم يسعى ببساطة للحصول على ترخيص لتشغيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في إيران.
في ذات السياق، قال مسؤول من الحكومة الأمريكية: “فهمنا لـ ستارلينك هو أن ما يقدمونه سيكون من الدرجة التجارية، وسيكون جهازًا غير مشمول في الترخيص العام، لذا سيكون ذلك شيئًا يحتاجون إلى الكتابة إلى الخزانة من أجله”. وهذا بالضبط ما قال إيلون ماسك إنه سيفعله، حيث كتب على تويتر بأن شركة ستارلينك ستطلب إعفاء من العقوبات الأمريكية على العمل في إيران من أجل توفير الإنترنت في البلاد.
Starlink will ask for an exemption to Iranian sanctions in this regard
— Elon Musk (@elonmusk) September 19, 2022
أطلق غزو موسكو لأوكرانيا العنان لحرب إلكترونية غير مسبوقة، مع جحافل من المتسللين على كلا الجانبين، حيث استغلت العشرات من المجموعات التي ترعاها الحكومة الاضطرابات لاستهداف خصومها، وأثبتت صناعة تكنولوجيا المعلومات قبل الحرب في أوكرانيا، مع مئات الآلاف من المتخصصين الذين يعملون في مجال الأمن السيبراني، أنها مجموعة مهمة في أول حرب إلكترونية واسعة النطاق في العالم.
تدخل إيلون ماسك أيضًا في أوكرانيا في أعقاب هجمات الجيش الروسي عليها، حيث قدم خدمة الإنترنت كذلك من خلال “ستارلينك“، وأصبح رجل الأعمال منذ ذلك الحين تهديدًا لواحدة من أكبر الدول في العالم، لدرجة أن كونستانتين فورونتسوف، وهو رئيس الوفد الروسي في مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، هدد أن مثل تلك التقنيات قد تصبح مشروعًا للانتقام.
وقال في بيان أمام الأمم المتحدة: “نود أن نؤكد على اتجاه خطير للغاية يتجاوز الاستخدام غير الضار لتكنولوجيا الفضاء الخارجي، وهو ما أصبح واضحًا خلال الأحداث في أوكرانيا”.
تابع: “يشمل ذلك استخدام الولايات المتحدة وحلفائها لعناصر البنية التحتية المدنية في الفضاء الخارجي لأغراض عسكرية، يبدو أن زملائنا لا يدركون أن مثل هذه الأعمال تشكل في الواقع تورطًا غير مباشر في صراعات عسكرية، وأن تلك البنية التحتية شبه المدنية قد تصبح هدفاً مشروعاً للانتقام”.
في سياق آخر، أدت الثغرات والانحيازات اللغوية لـ فيسبوك إلى انقسامات طائفية وعرقية وميل لصالح الحكومات ضد الأقليات في الكثير من البلدان، لا سيما في كثير من أنحاء العالم العربي، حيث تسبب عدم فهم خوارزميات الذكاء الاصطناعي للغة العربية في الكثير من المعلومات الكاذبة ورد فعل إعلامي عنيف.
مع احتدام حرب غزة وتصاعد التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط في مايو الماضي، حظر إنستجرام لفترة وجيزة هاشتاج الأقصى، في إشارة إلى المسجد الأقصى في البلدة القديمة بالقدس، وهو نقطة اشتعال الصراع. واعتذرت الشركة موضحةً أن الخوارزميات أخطأت في أن ثالث أقدس موقع في الإسلام هو جماعة كتائب شهداء الأقصى، وهي فرع من حركة فتح.
بالنسبة للعديد من المستخدمين الناطقين بالعربية، كان هذا مجرد أحدث مثال قوي على كيفية قيام فيسبوك بتكميم الخطاب السياسي في المنطقة. وفي بلدان مثل أفغانستان وميانمار، على سبيل المثال، سمحت هذه الثغرات للغة التحريضية بالانتشار على المنصة، بينما في سوريا والأراضي الفلسطينية، يقوم فيسبوك بقمع الكلام العادي، وفرض حظر شامل على الكلمات الشائعة.