إيمان مندور
المتابع للمشهد الموسيقي المصري في السنوات الأخيرة يدرك حجم المأساة الغنائية القائمة، والتي يبدو أنها في طريقها للازدياد بعد استقالة الفنان هاني شاكر من منصبه كنقيب للمهن الموسيقية، ليس لأنه كان الأفضل في الإدارة، بل لأن المرشح الأكثر قربًا من اعتلاء المنصب من بعده لا يزال يثير الجدل والقلق بتصريحاته خلال الأيام الماضية.
الفنان مصطفى كامل الذي تولى رئاسة النقابة قبل هاني شاكر في عام 2013، والمرشح بقوة لمقعد النقيب خلفا له الآن، ظهر في برنامج “حبر سري” على قناة “القاهرة والناس”، في حلقة تم عرضها على جزأين منفصلين، ليتحدث عن ترشحه لرئاسة النقابة ورؤيته للوضع الحالي، وتوقعاته لما سيحدث في عهده حال توليه المنصب من جديد. وكذلك رأيه في عدد من القضايا وموقفه من بعض المطربين الجدد والقدامى.
خلال اللقاء، لم يكن مصطفى كامل موفقًا في العديد من تصريحاته، ففي ظل حديثه المستمر عن معاناته في مسيرته الفنية، والحروب التي لا تهدأ ضده، وتعظيمه لنفسه وانبهاره بموهبته والذكاء الذي يتميز به، مستخدما عبارات مثل “أنا ذكي فوق ما عقلك يتخيل”، “أنا كنت فظيع أوي في زمني”، “طول الوقت في حروب ضدي.. أنا من بدايتي بتحارب”، لم يتردد في الاعتراف بأنه يفتقد الدبلوماسية في تعاملاته.. نقيب سابق ومرشح للمنصب ذاته من جديد يؤكد أنه ليس دبلوماسيا ويفتقد للغة الحوار!
الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يقرر مصائر المطربين والأنواع الغنائية الحالية بحسب ذوقه الشخصي، لذلك لا يعترف بوجود فن الراب، ويصف جمهوره بالمجانين.. “ربنا يخلي الهبل والعبط والمهابيل يارب.. مش عاجبني اللون ده ولا هيعجبني خالص، الفترة اللي فاتت خليت ولادي سمعوني أغنية لويجز لقتني مش عارف هو بيقول ايه، بالبلدي كده اللون ده مش جاي معايا سكة وأنا مبحبش فن الراب، مبحسش إنه فن”… يرفض لون غنائي بالكامل بسبب أغنية واحدة لم تعجبه. ولنفترض أنه سمع كل الأغنيات ولم تعجبه، هل ينفي ذلك وجود هذا اللون بمطربيه وجماهيره التي تتعدى الملايين؟ وكيف يتعامل معهم لاحقا كنقيب بعد أن قال ذلك عنهم قبل أيام من ترشحه؟!
أما فيما يخص المهرجانات، فقد انتقدها كالعادة، مؤكدًا أنه ضد المنع لكن مع الحفاظ على الذوق العام.. “المهرجانات ظهرت في عهدي أنا.. وقت أوكا وأورتيجا والناس دي.. وقتها جبتهم وقلت لهم بص يا بني أن لن أسمح لك تدمر الذوق العام، انزل اشتغل بما لا يضرني”، رافضًا وجود مهرجانات بها ألفاظ خارجة مثل “أمك صاحبتي” وغيرها من الألفاظ التي رددها حمو بيكا.
وهذا يقودنا لأمرين؛ الأول أن مصطفى كامل غير متابع للمشهد الموسيقي بدليل أن نفس التصريح قاله هاني شاكر من قبل فخرج شباب المهرجانات على رأسهم حمو بيكا واعتذروا عن ذلك وحذفوا هذه المهرجانات من يوتيوب، وأكد حمو بيكا حينها أنه لم يكن يدري حين غنى هذه الكلمات أنه سيصبح مشهورا بعد سنوات وأن هذه الأغنيات ستنتشر، بل كانت في إطار محيطه فقط. لذلك حذفها واعتذر عنها بمجرد لفت انتباهه لذلك، مطالبا بتوجيهه للطريق الصحيح ومؤكدا أنه لن يتلفظ بمثل هذه العبارات مجددا. إذن الشباب (سواء أحببت ما قدموه أم لا تحبه) يناصعوا لتوجيههم بهدوء وبدون تعالي.
الأمر الثاني ما معنى الذوق العام الموسيقي؟! من لديه سلطة الرقابة على أذواق الجمهور ليحب هذا ويكره ذاك؟! كلمات “الذوق العام” و”الفن الراقي” كلمات مطاطة لا يمكن حصر تحديدها في يد من يترأس النقابة فقط. ولو أن الأمر كذلك هل أغنية “قشطة يابا” ترتقي بالذوق العام؟! هل الفيلم الذي يحمل نفس الاسم يرتقي به؟
هل ترتقي أغنيات محمد رمضان بالذوق العام؟! مصطفى كامل أكد في اللقاء حبه واعتزازه بمحمد رمضان وبموهبته واللون الغنائي الذي اختاره لنفسه، وبالصداقة التي تجمع بينهما.. أين الذوق العام هنا من كلمات أغنيات محمد رمضان؟! وأين مصطفى كامل من عبارات مثل “اللي هلمحه همرجحه” في أغنيات محمد رمضان؟! وأين مصطفى كامل من رقص محمد رمضان عاريا في حفلاته؟!.. النقيب المحتمل تجاهل كل ذلك لأجل الصداقة!
هل يرتقي بالذوق العام مطرب يرى مهنة التمثيل “كلام فاضي”؟! الرجل لا يحسن اختيار عباراته في الإعلام وأمام الجمهور، فيعبر عن رفضه لعمل ابنته في التمثيل قائلا: “بنتي أحبها تكون إعلامية لكن محبهاش تدخل الوسط الفني.. لو إعلامية أقدر أجي معاها لكن عشان تبقى فنانة وتروح وتسافر عشان تمثل والكلام الفاضي ده لا”. له مطلق الحرية في قبول ذلك من عدمه تجاه ابنته، لكن الحديث هنا عن الحديث والاعتراف علنا بذلك، دون استيعاب تأثير ذلك على عودته للنقابة وتقبل الجمهور لما يقول.
أيضًا أكد وجود فساد مالي ورشاوى في النقابة إبان عهد هاني شاكر، وأن لديه إثباتات على ذلك. حسنًا تصرف جيد أن يرفض الفساد المالي (إن كان موجودًا بالفعل)، لكن لماذا يعترف بكل فخر بعدها بدقائق في اللقاء ذاته أنه عرض رشوة مالية على أحد المعيدين ليتمكن من النجاح في إحدى المواد ليحصل على شهادته الجامعية بعد سنوات طويلة من الدراسة، موضحا أنه في عام 2014 كان مرشحا لجائزة الدولة التقديرية وحين جاء وقت ملء استمارة البيانات شعر بالخجل من أن يكتب مؤهل الثانوية العامة وفي نفس الوقت رفض كتابة بكالوريوس تجارة، مبررا ذلك بأنه يرفض الغش أو أن يكون “حرامي”.
يضيف ضاحكا ومفتخرًا بنفسه: “كلمت واحدة قريبة مراتي، قلت لها بقولك إيه أنا فاضلي مادة واحدة واتخرج وبسمع إن الناس بتشتري المادة دي قالت لي هبعتلك واحد معيد يخلص، قلت لها بكام قالت بكذا قولت لها تمام ابعتيهولي، جه وضايفته وأنا قاعد مستني يقولي فين الظرف، طول القعدة مقالش حاجة ومش عارف اجيبهاله ازاي إنه حضرتك مرتشي، ولقيته بيقولي أنا متابعك من زمان وعندك إصرار فلو ذاكرت 6 محاضرات وو.. قلت له بقولك إيه أنا اتقالي إنك جايلي عشان تاخد فلوس وتخلص الموضوع، انفعل وقالي حاشا لله ده أنا جاي بيتك وبحترمك تطلع كده! المهم طلعني حد مش محترم نهائي، وأنا بوصله للأسانسير قلت وفيها إيه لما اذاكر وفعلا جه وشرح لي ودخلت امتحنت ونجحت”.
بعيدا عن مدى صدق حديثه من عدمه في النجاح بمجهوده، لكن الرجل يقول إنه إبان توليه رئاسة النقابة لم يجد حرجا في عرض رشوة مالية على أحد الأشخاص.. يعترف بذلك علنا.. لا يجد حرجا في ذلك.. النقيب المحتمل لا يحسن اختيار ما يُقال وما لا يُقال أمام الجمهور حتى لو كانت أخطاء سابقة!
وبالعودة للنقيب السابق، نجد أنه حينما سئل هاني شاكر في لقاء تلفزيوني مطلع الشهر الجاري، عن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي غنى “الدنيا سيجارة وكاس”، قال إنها مناسبة لزمنه، وحين سئل عن أم كلثوم التي غنت “الخلاعة والدلاعة مذهبي”، ضحك قائلا “ست فرفوشة يا سيدي”، وحين سئل عن سيد درويش الذي غنى “اشمعنى يا أخ الكوكايين كخ.. هو أنت شريكنا حتى في مناخيرنا.. نشمه أبيض يطلع أسود”، أجاب بأنها “مش حلوة” لكن لا تنفي أن سيد درويش فنان كبير وعظيم وله بصمة مهمة.
والإجابات هنا حرية شخصية، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، لكنها تقودنا لملمح أهم ألا وهو استسهال نقد وتجريح وعقاب من لا ظهر لهم، مقابل الحديث بأدب جم عن السابقين حتى وإن ارتكبوا نفس الأخطاء. الأمر لا يعني الدعوة لمساواة حمو بيكا بسيد درويش، لا يجوز بالطبع، لكن لتوحيد طريقة التعامل مع الجميع.
هاني شاكر يتحفظ في نقد السابقين، ومصطفى كامل يتحفظ في نقد أصحابه.. وبين هذا وذاك تقف إحدى أهم النقابات الفنية في مصر في انتظار الخروج من عهد الأول “المتحفظ” لعهد الثاني المفتقد للدبلوماسية حتى في الحديث عن نفسه!