اندهشت كثيراً حين لاحظت تفاعل ابنتى ذات الاثنى عشر عاماً مع شبكات التواصل الاجتماعى، بمجرد حصولها على سمارت فون، وسماحى لها باستخدام بعض من هذه الشبكات، فقد سارت الطريق لوحدها مستخدمةً هاتفها ومستمتعةً بوجود “الواى فاى” فى المنزل ، وحيت رأيت كيف أنها استخدمت “جوجل” و”يوتيوب” للاسترشاد بهما ؛أدركت حينها أننا نواجه مستقبلاً إعلامه سيكون مختلفاً بالمعنى الحرفى للكلمة ، فابنتى وجيلها قد تجاوزوا المعرفة التى نحاول نقلها لصحفيين محترفين فى توظيف شبكات التواصل الاجتماعى ، وذلك دون أى توجيه، فقد ساروا تماماً خلف ما تقدمه لهم التكنولوجيا ، فتفاعلوا مع “إعلام” هذه الشبكات إيجاباً أو سلباً، ليصبحوا بعيدين تماماً عن المنطقة التى يحكمها صناع الإعلام التقليدى حالياً.
لم يعد الحصول على هاتف ذكى مسألة مكلفة مقارنةً بما كان منذ عامين، وبالضرورة ستكون الأمور أيسر فى السنوات القليلة جداً القادمة، والسؤال هنا: هل يدرك صناع الإعلام فى مصر أنهم يفقدون شريحة من المستهلكين؟ وبمرور الزمن سيفقدون الجميع؟.
شاءت الظروف أن أحضر احتفالية “مؤسسة بكرة” ،وهى مؤسسة شبابية تعنى بتدريب الشباب على الإعلام، وفى احتفاليتها الخميس الماضي، قدم الشباب نماذج من مشروعاتهم التى أنجزوها بعد التديب، شباب غير محترف من محافظات عدة، ينتجون إعلاماً بأقل التكاليف، وأكثره باستخدام “الموبايل” ، اللقاء كان مبهجاً؛لأنه ببساطة يثبت أن الحياة مستمرة،وأن الحلم لا بد يجد طريقه عبر أى وسيلة ؛ لكن السؤال أيضاً يطرح نفسه: كيف يمكن أن يستمر شباب مثل هؤلاء فى سوق إعلامية مشوهة؟ ، قد يكونوا محظوظين بحصولهم على فرص تدريبية ملائمة للعصر، كما أن أفكارهم مميزة كما هى عادة الشباب، وحماسهم قادر على أن يشق طريقه ، ولأننى أختار دوماً أن أرى نصف الكوب الممتلىء ؛ فأنا أؤمن بأن الأقوياء منهم ،القادرون على حماية أحلامهم سيستمرون ، لكننى أدرك أيضاً بفضل خبرتى العملية ، أن موهوبين كثيرون يضيعون فى منتصف الطريق.
أكاد أجزم أنه وبلا رؤية حقيقية لرعاية المواهب الإعلامية الشابة الحقيقية، القادرة على التواصل مع أدوات العصر ؛ فالسوق الإعلامى المصرى يسير نحو الانتحار، وأن صناعه تماماً هم كمن ” يؤذن فى مالطا” ، على مؤسسة ما أن تتقدم لرعاية الأحلام المتقدة حماساً لشباب يسعى نحو إعلام حقيقى، إعلام يعبر عن جيله ، وعن مصر، إعلام قادر على التواصل مع العالم ، لا إعلام يورثنا السخرية من كل من “هب ودب”.