أُسدل الستار على قضية الطالبة مريم ملاك التى نعتها الإعلام باسم طالبة الصفر، فألصق بها تهمة طافت هى على مدار شهرين لتنفيها عن نفسها وتحملت من أجل ذلك ضغط نفسي وعصبى لا يستطيع أن يتحمله من لديه أضعاف عمرها، رحلة مريم لإثبات حقها يمكن وصفها بالمريرة، ليس فقط بسبب تقرير اللجنة الخماسية المشكلة من خبراء مصلحة الطب الشرعى الذى انتهى بتطابق خطها مع الخط الوارد فى أوراق الإجابة، لكن التعامل الإعلامى مع الطفلة الصعيدية البريئة كان بالغ القسوة، فما بين برنامج يقرر تحقيق سبقا بإعلانه عقد امتحانا شفويا لمريم على الهواء ثم يتم الغاؤه فى اللحظات الأخيرة، ومابين أخر يقرر أن يسخر منبره للهجوم عليها ومحاولة إثبات كذبها.
حالة الإستقطاب تلك لم ينج منها سوى برنامج البيت بيتك الذى قرر أن يتعامل مع القضية بمنتهى الحرفية، و أن يدعم الطالبة وينتصر لها دون أى مبالغة أو تزيف، ففتح الجرح الغائر، واستضاف على مدار عدة حلقات من يحكى عن أهوال يشيب لها الولدان تحدث داخل كونترولات الثانوية العامة، كان من المفترض أن لا تمر مرور الكرام و أن يتم التحقيق فيها بشكل فورى وعاجل، لكننى فى الحقيقة ومنذ اليوم الأول كان لدى يقين بأن تلك المسكينة لن تحصل على حقها، فهى أضعف بكثير من أن تواجه فساد استشرى فى عمق الدولة، و امتدت جذوره لتشمل كافة قطاعاتها، فكيف لهذه الصغيرة أن تقتلع فساد سنوات طوال دون إرادة حقيقية من أجهزة الدولة لاقتلاعه، كما أن الإعتراف بحق مريم فى درجاتها المنهوبة يعنى فتح أبواب جهنم على الوزارة والعاملين بها، لأن الطابور ملئ بمئات مثل مريم، اللذين علموا تماما الآن انهم إذا قرروا أن يخوضوا حربا لإثبات حقهم فلن ينالوا سوى التشهير والإدعاء عليهم بالجنون
و إذا كانت السطور السابقة يبدو منها أن الأوامر صدرت بإنهاء أزمة مريم تماما فالسؤال هنا هل صدرت أوامر بالقضاء على الفتاة نهائيا وتدمير ماتبقى من أعصابها؟؟!!
لا أدرى لماذا ورد فى ذهنى هذا التساؤل و أنا أقرأ التحليل الذى نشر للزميلة سارة علام فى جريدة اليوم السابع تحت عنوان (الحقيقة الكاملة فى أزمة صفر الثانوية العامة) والتى قررت الزميلة تقسيمه إلى (أسئلة مهمة) و التى وجدت فى عدم العثور على إجاباتها دليلا دامغا على كذب مريم.
سألت سارة عن السبب فى لجوء أصحاب النفوذ إلى تلك الطريقة فى الغش رغم أن بإمكانهم –على حد قولها- الغش مباشرة داخل اللجنة كما يحدث كثيرًا فى لجان الصعيد، رغم أن الواقعة التى فجرها الصحفى أحمد أبو الخير من تمكين نجل قيادة أمنية من إعادة كتابة الإجابات النموذجية داخل كونترول المنصورة، ونقلها مباشرة من نموذج الإجابة مقابل 10 الاف للمادة الواحدة تعنى أن أسلوب أصحاب النفوذ قد تطور كثيرا، طالما أن هناك من يبيع ضميره مقابل حفنة جنيهات.
سألت الزميلة أيضا عن السبب الذى يجعل فتاة متفوقة تعتذر عن دخول امتحان الثانوية العامة للعام الماضى، رغم أن مريم نفسها ذكرت فى أكثر من لقاء أنها قررت ذلك بعد وفاة والدها خشية أن لا تتمكن من الحصول على مجموع مرتفع بسبب مامرت به الأسرة من ظروف، أما بخصوص أن هناك مصادر مقربة من أسرة مريم أكدت أن الطالبة تلقت علاجا نفسيا لعدة شهور فأعتقد أن الرد الذى أوردته أسرة مريم بنفى ذلك ومقاضاة من روج له كاف جدا، لكنه بالطبع لن يصور حالة الطفلة وهى ترى أنها مجنونة فى عيون الإعلام!!
ختمت الزميلة تحليلها بسؤال كيف حصلت مريم على صفر، وأردفت السؤال بإجابة ملخصة للقضية من وجهة نظرها حيث رأت أن الطالبة خشيت أن تواجه أسرتها بحقيقة الأمر، ولم يقودها خيالها ولو لحظة واحدة، أن أسرتها البسيطة سوف تغضب وتنفعل وتصعد الأمر، رغم أن السؤال الأوقع هو هل يعقل أن طالبة حصلت على 85% من درجات مادة التربية الوطنية، التي لا تضاف أصلًا للمجموع، وتعجز في الوقت نفسه عن تحصيل أكثر من درجة ونصف من 80 درجة في مادة اللغة العربية، وهل يعقل أن يظل طالب طوال الثلاث ساعات –مدة زمن الإختبار- سارح فى ملكوت الله لاتخط يده أى كلمة دون أن يلحظه أحدا من المراقبين فيظهر ليدلى بشهادته وينهى هذا اللغط؟؟
وفى النهاية إذا كانت الجريدة رأت أن العبث بسمعة الفتاة والقضاء على أحلامها أمر ليس مهما فى مقابل تحقيق سبق صحفي -بغض النظر عن مصداقيته- فإن ذلك الأمر ليس غريبا، فالتوجه الحالى يسير نحو القضاء على الحالمين، وطرد النابغين، على ويبدو أن مريم وعت هذا مؤخرا حينما قبلت عرض استكمال تعليمها بالخارج.