يحدث في الإعلام الأوروبي.. القارة العجوز تتصنع الفقر
محمد إسماعيل
تلميحًا وتصريحًا، تُرْسِل بعض دول الاتحاد الأوربي إشارات عديدة منذ مطلع سبتمبر الجاري معبّرة عن استياء شبه رسمي من تدفق اللاجئين إلى أراضيها بأعداد غير مسبوقة وأظهر استطلاع للرأي لقناة “بي إف إم تي في” التلفزيونية الفرنسية أن 56% من الفرنسيين لا يساندون فكرة استقبال المهاجرين السوريين في فرنسا، عدم الترحيب جاء مدفوعًا بظروف فرضها الركود الاقتصادي وهواجس أمنية وفي بعض الأحيان أسباب عنصرية ودينية.
رصد إعلام.أورج كيف احتلت بعض وسائل الإعلام الأوربية مركز رأس الحربة في هذه المواجهة بأساليب متنوعة شملت – على سبيل المثال لا الحصر – التخويف والتثبيط ونشر إفادات لمهاجرين قدامى لم يحقق لهم اللجوء شيئًا بغرض إثناء اللاجئين عن التوجه شطر أوربا بل وصلت المواجهة إلى الاعتداء البدني في حادثة شهيرة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي في لقطات مصورة لبيترا لاسلو التي كانت تعمل لدى قناة (إن إي تي في) التلفزيونية المجرية الخاصة المقربة من اليمين المتطرف، وهي تمد ساقها لعرقلة اللاجئ السوري أسامة عبدول ليسقط وطفله بين ذراعيه بينما كان عشرات المهاجرين يحاولون الفرار من الشرطة على الحدود المجرية الصربية قبل أيام من استقرار عبدول في أسبانيا. وقررت القناة فصل هذه المصورة من وظيفتها بسبب تصرفها اللا إنساني.
وأبرز الموقع الإلكتروني الألماني دويتش فيله انتقادات وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف لتصريحات رؤساء بعض البلديات الذين يرغبون في استقبال لاجئين “شرط أن يكونوا مسيحيين”، معتبرا أن هذا التمييز بين المسيحيين وغيرهم مُضر. ولا شك أن ما تتداوله وسائل الإعلام حول هذه النقطة تحديدًا سيثير في آلاف اللاجئين المسلمين الخوف على عقيدتهم وسيكون ذا ثقل كبير لديهم في اتخاذ قرار اللجوء.
في المملكة المتحدة أكد تقرير بثه القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي عربي) عدة مرات، أول أمس، أن حلم الحياة الآمنة للاجئين في أوربا سرعان ما سيتحول إلى كابوس لا يطاق بسبب تعقيدات تفاصيل العيش في دول الاتحاد الأوربي علاوة على الصدمة الحضارية واختلاف ثقافة الوافدين الجدد عن الثقافة الشائعة في مجتمعات القارة العجوز. ربما تكمن المفارقة في حرص عدد كبير من ممثلي الحكومات الأوربية على زيارة مخيمات اللاجئين في والتقاط الصور معهم مثل المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
أما الدنمارك فقد قفزت قفزة مثيرة للاهتمام من سلة الإعلام الغربي لتمارس مواجهة اللاجئين على الساحة الإعلامية العربية عبر إعلان مدفوع من قبل سلطات الهجرة الدنماركية على صفحات عدد من الصحف اللبنانية باللغتين العربية والإنجليزية يوم الاثنين الموافق 7/9/2015 وحمل الإعلان رسالة ضمنية لا يخطئها القارئ الفطن مؤداها: عزيزي اللاجئ لا تأتي إلى الدنمارك، التقط الإعلان آدم تايلور محرر الاندبندنت البريطانية وآخرون ونال انتقادات واسعة من صحفيين كنديين وروس حيث ركز الإعلان على إيضاح صعوبة العيش في البلاد بعد أن أقر البرلمان هناك قانونًا يخفض ما يحصل عليه اللاجئ من مساعدات بنسبة 50% وأنه يتوجب على الراغبين في الحصول على إقامة دائمة إتقان اللغة الدنماركية علاوة على صعوبة إجراءات لم شمل الأسرة خلال السنة الأولى لحائزي الإقامة المؤقتة.
جاءت الانتقادات الروسية لهذه الخطوة الدنماركية عبر موقع روسيا اليوم تحت عنوان ” هل ضللت الدنمارك اللاجئين السوريين؟” وأكد الموقع أنه علم من مصادر موثوقة بقيام هيئة دنماركية رقابية بالتحقيق مع المسؤولين عن الإعلانات التي نشرتها وزارة الهجرة والدمج والإسكان الدنماركية في الصحافة اللبنانية والتي وصفتها الهيئة بأنها قد تكون “مضللة” للاجئين السوريين بشكل خاص.
وفي كندا نشرت الناشيونال بوست مقالا للبروفيسور أندرا جولير الأستاذ بجامعة كونكورديا انتقد فيه الحكومة المجرية والإعلام المجري وقال إن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان استغل أزمة اللاجئين في ترسيخ حكمه الاستبدادي واعتبر جولير إجراءات غلق الحدود وبناء السياج الشائك ومنع اللاجئين من عبور الحدود المجرية خطوة للتأسيس لدولة بوليسية في المجر، ترجع انتقادات الكنديين لموقف الحكومة المجرية من اللاجئين لأسباب تاريخية حيث استقبلت كندا نحو 38000 لاجئًا مجريًا في 1956 إبان اندلاع الثورة حسب موقع هنجاريان فري برس.
أما تلجراف وديلي ميل فقد اتخذتا منحىً مختلفًا في مواجهة اللاجئين فوجدتا ضالتهما في تخويف الأوربيين من اللاجئين القادمين من النقاط الساخنة في الشرق الأوسط استنادًا لتصريحات وزير التربية والتعليم العالي اللبناني إلياس بو صعب الذي حذَر رئيس الحكومة البريطانية خلال زيارته لمدارس في ساحل المتن الشمالي التي تستقبل نازحين من سوريا والعراق من أن الجهادين الذين دخلوا تحت غطاء لاجئين يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية في الدول الأوروبية التي سيحلون بها. وقال تقرير ديلي ميل إنه إذا صحت تقديرات الوزير اللبناني بأن 2% من اللاجئين دواعش فإن هذا يعني أن نصيب بريطانيا سوف يصل إلى 400 مقاتل من داعش وفقا لخطتها بقبول 20 ألف لاجئ بحلول العام 2020.
