«لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبدالناصر بسياسات إسماعيل صدقى»، هكذا ختم الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل حوارا امتد لأكثر من ساعتين مع عدد من أصدقائه وتلاميذه ومحبيه، الذين تجمعوا فى مكتبه، صباح أمس، للاحتفال بعيد ميلاده الذى يحل فى الرابع والعشرين من الشهر الحالى.
الأستاذ يرى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى مصدوم من المشكلات والتحديات التى تواجه البلد ويشعر بالمرارة بعد اطلاعه عليها: «كان عنده تصورات حالمة، لكنه لم يكن يعرف طبيعة الملفات، ويجب أن يتجاوز تلك الصدمة».
هيكل حذر من عواقب تفكيك الجبهة الداخلية: «لو استمر التفكك فى الجبهة الداخلية فمصر مقبلة على كارثة»، مؤكدا أن الدولة تحتاج إلى إعادة النظر فى اولوياتها فى هذه اللحظة.
«يجب أن تدرك ماذا يجرى حولك فى العالم، وتعرف موقع قدمك.. فالعالم تغيرت قواعده، ورصيدك الذى صنعته فى الماضى تآكل، ولم يبق منه إلا بعض التعاطف.. لذا يجب أن تكتشف العالم وتتعرف على أصدقائك الحاليين والمحتملين»، كانت تلك العبارة جزءا من سجال دار بين الأستاذ والدكتور حسام عيسى، نائب رئيس الوزراء الأسبق، الذى طرح سؤالا: «نقطة البداية.. الداخل.. أم الخارج؟».
الأستاذ يرى أن مصر فى هذه اللحظة تائهة وسط العالم والإقليم: «نحتاج إلى من يصف لنا ما يجرى حولنا، فى سوريا والعراق والسودان.. يجب أن يكون لنا دور سياسى.. لا يعقل أن نترك سوريا ولا يكون لنا دور فيما يدور»، وهنا تدخل الكاتب الصحفى الأستاذ عبدالله السناوى ليسأل: «ما طبيعة اللعبة التى تلعبها روسيا فى سوريا؟»، ليرد هيكل: «الروس يستفيدون من كل الأخطاء التى يقع فيها الأمريكان.. بوتين يلعب على أخطاء الإدارة الأمريكية، هو لا يستطيع أن يتدخل اقتصاديا لكنه يتصيد أخطاء منافسه ويبنى عليها مواقفه».
الإعلامى حسين عبدالغنى أراد أن يعيد الأستاذ إلى طبيعة الأزمة الداخلية فسأل: «من أين نبدأ والمشكلات التى تواجه مصر فى العقود الأخيرة لم تتغير ولاتزال مطروحة؟.. ما هو تصور النظام الحاكم لقضية العدالة الاجتماعية ودور الدولة فى هذا الملف؟»، فرد الأستاذ قائلا: «مصر انتقلت انتقالات مفاجئة.. وممكن أن تتخبط لفترة طويلة.. والوضع معقد جدا، لأن الحقائق تائهة».
وأضاف الأستاذ: «نحن نتحدث عن رجل ــ يقصد السيسى ــ مستعد لأن يسمع وينصت ويتفهم، لكن الأزمة غياب منهج للتفكير، كما أننا نعانى من أزمة كفاءة، والعثور على نقطة بداية أمر فى منتهى الصعوبة».
وتدخل السناوى قائلا: «هناك عقدة فى هذه اللحظة»، ليقطع الأستاذ حديثه مازحا ويقول «عندك عقدة يا عبدالله باستمرار وليس فى هذه اللحظة فقط».
ويكمل السناوى وجهة نظره: «كل السياسات والتصرفات التى تحدث قد تؤدى إلى سيناريو الانفجار ولا يمكن أن نستبعد هذا الاحتمال، والبلد لا يمكنه تحمل تلك الكارثة»، فرد الأستاذ: «ماذا نفعل.. نحن أمام ناس تائهة.. العصر طرح حقائق جديدة ومتغيرات جديدة.. ونحن خياراتنا كما هى لم تتغير ولا تصلح لمسايرة المتغيرات الجديدة».
الكاتب الصحفى بالأهرام هانى شكرالله سأل: «كيف نسمع ونعى فى ظل حالة الضوضاء والمهرجانات التى تدور على شاشات الفضائيات»، فرد الأستاذ: «عندما تضيع من المجتمعات قضاياها الحقيقية، يضطرون إلى الصراخ للتعبير عن أنفسهم وحتى يلتفت الآخرون لهم ويطمئنون أنفسهم أيضا».
ويضيف الأستاذ: «فى أوقات الأزمات يطرح البعض دائما أفكارا ويتطور الأمر إلى أن يُخلق تيار عام، وبعدها يتحرك وعى الناس»، وضرب مثلا بقضية الإصلاح الزراعى التى طرحها إبراهيم شكرى ومحمد خطاب قبل ثورة يوليو.
ويعود هيكل ويؤكد أن المثقفين والنخب لعبوا أدوارا مهمة قبل ثورة 23 يوليو وطرحوا قضايا كبرى وتمت مناقشتها قبل اندلاع الثورة فمهدوا لما حدث، مضيفا: «البلد للأسف جرى عليها وابور زلط فبططها»، لكنه لم يفقد الأمل، مشددا على وجود مفكرين ومثقفين يستطيعون مناقشة القضايا الكبرى وهناك قوى منحازة لقضايا العدل والعدالة الاجتماعية لكننا نحتاج إلى تنظيم العقل المصرى».
وتابع الأستاذ: نحتاج إلى عقول ترصد التطورات التى جرت فى الداخل والخارج، حتى نعرف من أين نبدأ.
وعن الحديث الدائر حول تعديل الدستور قال هيكل: «الدستور لم يطبق ولم تنفذ مواده بعد.. والعجيب أن البعض يطالب بتعديله»، فتدخل السناوى قائلا: «هناك حملة للمطالبة بتعديل الدستور، إن لم تكن تلك الحملة بإيعاز من أحد فهناك رضا عنها من القيادة السياسية، وهناك حالة تخوف من البرلمان والتفكير أن يتم تقليص صلاحياته»، فرد الأستاذ: «أتمنى أن يكون هناك أحد يخطط ويفكر، لا توجد فكرة مركزية مطروحة، ولا توجد وحدة هدف واضحة، أنت تحاول أن تبنى دولة.. مبارك كان يتعامل مع الدولة باعتبارها دكانا، والإخوان كانوا يخططون لخطفها لكنهم لم يتمكنوا».
وطلب كل من نقيب الصحفيين يحيى قلاش، ووكيل النقابة الأسبق، جمال فهمى، والإعلامية لميس الحديدى والإعلامى محمد هانى من الأستاذ الحديث عن الأزمات التى تحيط بالإعلام أخيرا، خاصة فى ظل نقص المعلومات وشح المصادر، وضربوا المثل بما حدث من «لخبطة» فى تغطية التغيير الوزارى الأخير، فقال الأستاذ: النظرة العامة للإعلام سلبية وهناك حالة من انعدام الثقة فيما يطرحه الإعلام، مضيفا: «لم أر هذا الحال من قبل والمشكلة متعلقة بالخطاب السياسى فغيابه يؤثر سلبا على المحتوى الإعلامى».
حضر الاحتفال بعيد ميلاد الأستاذ الدكتور حسام عيسى، نائب رئيس الوزراء الأسبق، والكاتب الصحفى عبدالله السناوى، والإعلامى حسين عبدالغنى، والكاتب الصحفى هانى شكر الله، والكاتب الصحفى جمال فهمى والروائى يوسف القعيد، ورئيس تحرير الأهرام محمد عبدالهادى علام، والإعلامية لميس الحديدى، والإعلامى محمد هانى، ومدير تحرير الشروق محمد سعد عبدالحفيظ.