التمثيل أصعب مهنة في العالم
تثير التعليقات التي يطلقها نجومنا الممثلين حالة من الدهشة، فهم مقتنعون أنهم يبذلون طاقة جبارة غير عادية في القيام بعملهم، وهو ما يعني أن المجتمع يجب أن ينحني ويصفق لهم تقديرا لهذه التضحية الكبيرة، بل إنهم يتمادون في وصف حجم المعاناة التي تحدث لهم، سواء من ناحية المجهود أو مشاكل التقمص النفسي والعصبي أو سهر الليالي أثناء التصوير كأن ذلك هو الضغط الأكثر صعوبة في العالم.
وأمام هذه المأساة التي يعيشونها تتضآل مشاكل الناس جميعا مهما بلغوا من الفقر أو الحاجة أو المرض، فتصبح مثلا الست المكافحة التي تقوم من الفجر لتبيع بعض الطماطم وتقف في السوق حتى المغرب امرأة مرفهة بالمقارنة بما تعانيه الممثلة فلانة وهي تتقمص الشخصية.
ويصبح الحداد وسائق الميكروباص وعامل الفرن والموظف المسكين وعامل البناء والبائع في محل والميكانيكي وموظفو المبيعات وغيرهم، جميعا يصبحون كائنات عادية وظيفتها التصفيق للممثل ودفع الأموال لمشاهدته وتبجيله وتعظيمه والشفقة على أحواله الصعبة.
ورغم أن العديد من أصحاب المهن يتخيلون أنهم الأعلى والأقوى والأكثر أهمية وقد يستحقرون المهن الأخرى ويعتبرونهم أقل منزلة منهم، إلا أنني ألوم الممثلين بشكل أكبر، فالدراما التي يؤدونها تحتوي على العديد أسباب العلم والتعلم والفهم ودراسة أحوال البشر وقصصهم مما يؤدي بشكل مباشر إلى وصول الإنسان إلى مرحلة راقية من الحس يدرك خلالها أهميته وأهمية من حوله ويستطيع أن يفهم حجم المعاناة التي يعانيها الناس والتي قد يجسدها بنفسه كممثل.
حينها يمكنه أن يدرك أن عامل النظافة له أهمية في المجتمع لا تقل عن أهمية الممثل والمطرب ولاعب الكرة والطبيب، والمحامي، ورجل الأعمال، والوزير وأن تعاسته تعد لا شيء أمام معاناة عدد كبير من الناس.
ولكن يبدو أن التمثيل أصبح بالفعل مجرد مهنة مثل أي مهنة والممثلون يقومون بأدوارهم بشكل آلي دون أن يتفهموا ما يقدمون، واعتقد مثلا أنهم قد لا يشاهدون من المسلسل الذي عملوا فيه إلا مشاهدهم فقط لتنجلي أمامهم براعتهم المذهلة وعبقرية أداؤهم، ولا يلتفتون لمعنى المسلسل أو أفكاره أو الأحاسيس التي ينقلها.
ألا يدرك أصدقاؤنا نجوم التمثيل أن تعبهم ومجهودهم المفترض له ما يعوضه في حجم الشهرة التي ينالونها والحياة الرغدة التي يعيشونها؟ بينما بائعة الطماطم لا أحد يقدم لها أي تعويض مقابل كفاحها الحقيقي؟ وربما تستمر معاناتها وتزداد إذا لم تستطيع أن تبيع كل بضاعتها.
هل سمعنا يوما أن آل باتشينو أو روبرت دي نيرو أو جوليا روبرتس أو براد بيت صرح بأن مهنته صعبة أو أنه يعاني أكثر من الآخرين، نحن لا نسمع هذا الهراء إلا في مجتمعاتنا العربية حيث الممثلون في أغلبهم متوسطي المستوى وقليلي الثقافة ويفتقدون الرؤية.
والدليل أنهم جميعا يقولون تلك الجملة (التمثيل أصعب مهنة في العالم بعد المناجم) مؤكدين أنها دراسة علمية.
دون أن يسألوا من قام بهذه الدراسة؟ وعلى أي معايير استند؟ وكيف أجراها؟ وما هو الربط بين مهنتين مختلفين تماما ليقارن بينهم؟ وفي أي دولة حدثت الدراسة؟ وطبعا لا يوجد أي حقيقة علمية وراء هذا الادعاء الساذج.
إن الادعاء العبيط أن التمثيل أصعب مهنة في العالم والذي يطلقه كل فترة هؤلاء النجوم يدفعنا إلى نصحهم بالقراءة والاطلاع والفهم الحقيقي لمهنتهم وللمجتمع الذي يعيشون فيه والعودة إلى مكتبة الأفلام والمسلسلات التي مثلوها بأنفسهم ليعرفوا أن المجتمع والناس أكبر من نظرتهم الشخصية الضيقة.