إيمان مندور
خلال الساعات الماضية تعرّض الإعلامي شريف عامر لانتقادات واسعة من قراء الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، بسبب تدوينة عن رأيه في كاتب شهير لم يذكر اسمه، لكن الجمهور فهمها على أن المقصود بها الكاتب الراحل، والإعلامي لم يجب بالنفي، والاعتقاد الغالب في رأي الجميع أنه المقصود.. فلنتحدث باعتبار الأمر كذلك.
شريف كتب نصا: “مؤلف وروائي راحل شديد الانتشار والنجاح. رغم شعبيته وسط أجيال لاحقة، كلما تابعت عملا مأخوذا عن مؤلفاته وجدتها شديدة السذاجة، ومحاولة تمصير سطحية لنوع بسيط من الأدب والدراما الامريكية. صحيح، لولا اختلاف الأذواق..”.
بسبب هذه التغريدة انهالت الانتقادات والسباب والشتائم على شريف عامر، فهل أخطأ بالفعل؟ أم أن الأمر لا يستحق كل هذه الضجة؟!… أعتقد أن الأكثر صوابا هو تحليل الأزمة بشكل عام بدلا من جعلها مقتصرة على طرف مخطئ وطرف يدافع عنه الجميع.
1- الهجوم على شريف عامر غير مبرر، لأن أي منتج أدبي أو فني من الطبيعي أن يعجب به بعض الأشخاص، بينما لا يستسيغه البعض الآخر، “اختلاف أذواق” كما أشار الإعلامي في نهاية التغريدة.
2- شريف عامر لم يوجه أي إساءة لشخص الكاتب الراحل، بل تحدث عن منتجه الأدبي فقط، لذلك تحويل الأمر لإهانة شخصية من محبي الكاتب الراحل أمر غير منطقي، خاصة إذا كان صادرا من أشخاص محسوبة على تيار الجمهور المثقف.
3- هل كان حكم شريف عامر منطقيا بالأساس؟ لا، لأن المعيار الذي استخدمه لتقييم جودة الكاتب من عدمه غير صحيح، فالكاتب غير مسؤول عن جودة أو رداءة العمل الفني المقتبس عن روايته، ورأينا الكثير من الأعمال الجيدة أدبيا تم تقديمها بشكل سيء سينمائيا، إذن المعيار الصحيح للحكم على منتج أدبي هو قراءته وليس الاكتفاء بمشاهدته مجسدًا على الشاشة. لذلك كان من الواجب أن يقرأ الإعلامي قبل أن يقول رأيه في الكتابة والكاتب، أو أن يوضح للجمهور أنه قرأ وشاهد العمل المأخوذ عنه أيضا، وخرج بنتيجة مفادها كذا، حينها يكون هذا هو رأيه.. وهذا حقه أيضا.
4- لا يمكن إغفال أهمية وقت التقييم، فهذه الكتابات كانت في وقت بلا منصات أو سوشيال ميديا أو انفتاح حقيقي على العالم كما هو الحال الآن، وبالتالي كان الأمر مغريا ومفيدا لكثير من الشباب من محبي هذا النوع من القصص، لدرجة جعلتهم يقبلون على القراءة بنهم شديد، لذلك من غير المنطقي إغفال هذا التأثير وإخضاعه مثلا للتقييم بالمقارنة بالتطور الحالي في هذا النوع الأدبي.
5- هل تعلق جمهور الدكتور أحمد خالد توفيق به زائد عن الحد؟ لا، بل طبيعي للغاية بالنسبة لشخص صنع عالما من الخيال والشخصيات في عقول شباب صغار ومراهقين كبروا مع قصصه وشخصياته وتعلقوا بكتاباته.. إذن هو شخص مؤثر بلا شك، وحتى لو لم يُعجب البعض بكتاباته، يكفيه أن جعل الشباب يحبون القراءة بسببه، أو كما كُتب على قبره “جعل الشباب يقرأون”.
6- في مسألة التعلق بمنتج أدبي أو فني عموما، نجد الجميع لديه عملا مفضلا لا يضاهيه عمل آخر، ولا يتقبل فكرة نقده، هذا التعلق لا يكون لأسباب منطقية بشكل كامل، أحيانا يكون أول عمل شاهدته أو قرأته أو العمل الذي أحببت نوعا معينا من الأدبيات بسببه، أي أنه كان مدخلا لعالم تحبه، أو مرتبطا بذكريات معينة، أو أحدث لك حالة من السعادة وقتها. كلنا لدينا عمل مفضل نتحدث عنه بانبهار بينما يراه الآخرون سيئا أو عاديًا أو حتى جيدا نعم لكن لا يستدعي كل هذا الانبهار.. لذلك الاعتراض على اختلاف الأذواق والحديث بمنطقية على حجم التعلق والارتباط بكتابات شخص بعينه أمر عبثي للغاية، لأنه خلاف على بديهيات.
7- لو أن الدكتور أحمد خالد توفيق كان حيا الآن وقرأ هذا الرأي من شريف عامر، لما اتخذ نفس رد الفعل الذي اتخذه بعض القراء والمحبين، البعض اعترض بأدب نعم، لكن الأغلبية في التعليقات لم تكن كذلك، وهذا يقودنا لأزمة عامة حول ما يعرف بـ “الملكيين أكثر من الملك”، الذين يحمّلون الأمور أكثر مما تستحق دفاعا وانحيازا لشخص بعينه لو كان مكانهم لما اتخذ نفس الموقف رغم أن الأمر يخصه وحده. وجمهور الكاتب الراحل أكثر الناس دراية بأدبه وحسن الخلق الذي شهد له به الجميع حيا وميتا.
8- هل الأزمة تستحق كل ذلك؟ لا تستحق، إعلامي كتب رأيا لا يعجبني، أرد عليه بأني اختلف معه لأسباب كذا وكذا، أما الشتائم والسباب فهي من سمات نقاشات السوشيال ميديا للأسف، فهذه المنصات تمنح شجاعة مزيفة وإحساسا بالحرية والأهمية غير حقيقي، وبقدر ما تكشف عن جوانب بديعة في البشر، بقدر ما تكشف عن جوانب سيئة لا يتخيلها أحد، خاصة إذا صدرت من جمهور مثقف.. أو على الأقل نحسبه كذلك.