إيمان مندور ريهام عبد الغفور
في مجال التمثيل مبدأ يقول بإنه ليس ثمة ما يهمنا كأنفسنا، وهذا المبدأ يعتنقه كبار الممثلين العالميين الذين يرون – بحسب توصيف كمال رستم في مقال بمجلة “الأديب” عام 1970 – ضرورة أن (يعيش) الممثلون أدوارهم لا أن (يمثلوها)، ذلك أنهم لا (يلعبون) ولكنهم (يكونون)، أي يقصد مدرسة المعايشة لا التمثيل التي تعكس موهبة النجوم، لا سيما في الأعمال التي تحتاج إلى معالجة فوق الواقعية.
مدرسة المعايشة التي تنتمي إليها النخبة الممتازة من الممثلات والممثلين لم يعد من الصعب على الجمهور إدراك قيمتها وسط تنامي عدد الدخلاء على المهنة من المديوكرز وأنصاف المواهب، الذين لا يهتمون بإتقان المُنتَج الإبداعي وتطوير مواهبهم بقدر الاهتمام بتصدر التريند ولفت الانتباه وإثارة الجدل.
ريهام في منتصف العمر
تنتمي لهذه النخبة الممتازة من الممثلات الفنانة ريهام عبد الغفور، التي انطلق عرض مسلسلها الجديد “أزمة منتصف العمر” قبل أيام، ليكون خير تتويج لعام فني مميز في مسيرتها التي بدأت قبل نحو 20 عاما.
والإشادة هنا لا تتناول العمل الفني الذي يصعب تقييمه ككل وهو لا يزال في حلقاته الأولى، بقدر ما تتناول أداء ريهام عبد الغفور التي تقمصت بجدارة دور المرأة التي فاتتها متع الحياة عقب تزويجها في سن صغيرة لرجل أكبر منها بكثير في العمر، لتبدأ تعاستها معه ليس لفارق العمر ولكن لجفاء مشاعره وقسوته معها وتقليله من شأنها باستمرار. وبعد سنوات طويلة من الكبت تجد الزوجة الحب والاهتمام لأول مرة، لكنه من شخص غير متوقع، ألا وهو زوج ابنتها، أو بمعنى أدق زوج ابنة زوجها التي ربتها وتعلقت بها كثيرا.
تفاصيل ومشاعر متضاربة أجادت ريهام تقديمها بين يأس وحزن ومحاولات للثبات والتماسك والتجاهل، وبين إخفاء الإعجاب بالحياة والمشاعر التي تعيشها الابنة بينما حرمت منها الأم وهي في مثل سنها، فضلا عن محاولاتها المستمرة في عيش حياة زوجية سعيدة رغم أنها أصبحت في منتصف العمر بينما زوجها في خريفه.
ملامح جيل!
تنتمي ريهام عبد الغفور لجيل مميز من الفنانات اللاتي صعدن للنجومية عن استحقاق وجدارة، مثل حنان مطاوع ومنة شلبي وحنان ترك ونيللي كريم وياسمين عبد العزيز، فتزاملن في الجيل وكذلك في نضج الموهبة بمرور العمر، بل وحتى الحفاظ على الملامح بدون الانضمام لقافلة النجمات اللاتي تغيّرت ملامحهن بالكامل بسبب عمليات التجميل، واختفت قدرتهن على التعبير بسبب غياب التجاعيد الطبيعية نتيجة الشد المستمر للبشرة.
“بخاف أعمل بوتوكس وفيلر عشان شغلي كممثلة وإني أفقد التعبير في ملامحي، ولما حد من الجمهور قالي في كومنتات إني عندي تجاعيد كنت بفكر في موضوع البوتوكس لكن الخوف مسيطر عليا”.. هكذا تحدثت ريهام قبل 3 أشهر في برنامج ABtalks عن خوفها على ملامحها وحتى تجاعيدها للحفاظ على قدرتها على التعبير، وهكذا نتذكر نجمات لن نقول يرفضن التجميل وتغيير الملامح بل يرفضن الظهور بدون مكياج كامل مهما كانت متطلبات المشهد، وهو ما يعكس أولوية الفنانة ومدى اعتمادها على موهبتها أم شكلها!
View this post on Instagram
دور الأب “الفنان”
بداية ريهام الحقيقية كانت من خلال مسلسل “العائلة والناس” للمخرج محمد فاضل، حيث تقدمت لاختبارات الأداء في المسلسل، ونجحت فيها قبل أن تفصح عن شخصيتها كابنة الفنان أشرف عبد الغفور، ولما عرف المخرج بهويتها اتصل بوالدها، لكن الأب رفض خوفا على تأثر مسيرتها الدراسية بالانشغال بالتمثيل وقتها، لكن اقتناع المخرج بها دفعه لمحاولة إقناع الأب بأنها سوف تنظم أوقات التصوير بما يتناسب مع مواعيد الدراسة، فوافق الأب في النهاية، لتبدأ رحلتها في عالم الفن.
وللأب هنا دور لم تغفل الابنة الاعتراف بفضله دوما، بل حتى في تربيته لها بالحب لا الشدة، فاعترفت بأنها كلما تقدم بها العمر تخاف على “زعله” لا منه، هكذا تعامل معها من البداية فأصبح يحصد ثمار “أبوَّته” بمرور العمر.
أيضا تمكُّن الفنان الكبير أشرف عبد الغفور الشديد من اللغة العربية الفصحى جعل ابنته الفنانة الشابة في بداياتها وجها فنيا فصيحا في المسلسلات التاريخية والدينية، فقد كان مدرسا لابنته عندما أقبلت على تجارب المسرح العالمية على المسرح القومي في مسرحيات شكسبير.
تعترف ريهام في حوار سابق بأنها استفادت كثيرا من نصائح والدها، فقد كان ينصحها دائما بالالتزام والجرأة في مواجهة الكاميرا، وعندما تقف على المسرح لا بد أن يكون صوتها قويا، ويعتمد على مخارج الألفاظ السليمة، وأن يصل إلى آخر مُشاهد في صالة العرض، وتؤكد أنه ساعدها كثيرا في تجاربها الفنية بالتقويم وتوجيه النصح والإرشاد والكشف عن رأيه في أعمالها الفنية حتى الآن.
جرأة أم نضج؟
ما جمع ريهام بوالدها كان الحب والنصح في المقام الأول وليس الخوف والتحكم، فأصبحت رحلتها الفنية هادئة بلا ضجيج أو تخوفات؛ رحلة هادئة كملامحها البشوشة الناعمة، فأجادت خلالها تقديم أدوار الفتاة البريئة الخجولة، لكنها بمرور العمر تمردت عليها. تمرد ناتج عن نضج وخبرة وليس مجرد رغبة في التغيير، ولو نظرنا نظرة شاملة لمسيرتها ككل لوجدنا مستوى النضج والجرأة وحجم التغير في الأدوار وكسر الصورة النمطية خلال السنوات الخمس الأخيرة أضعاف ما قدمته طوال مسيرتها.
صحيح إنها حاولت الخروج من دور الفتاة الخجولة الذي حصرها فيه المخرجون، ونجحت في ذلك بعد سنوات قليلة من بدايتها الفنية، فتنوعت أدوارها بين الفتاة “الروشة المسترجلة” في فيلم “حريم كريم”، والإسرائيلية في مسلسل “العميل 1001″، والأمريكية “مارجريت” في “أماكن في القلب”، و”عائشة” في “وادي الملوك”، و”حُسن” في “مسألة مبدأ”، و”ورد اليمن” في “شيخ العرب همام” مع القدير يحيى الفخراني، وكذلك “بدرية” المرأة المتسلطة في “الريان” مع خالد صالح.
لم يكن هناك وقتها سوشيال ميديا تلقي الضوء على الأدوار والشخصيات كما يحدث بكثافة الآن، لذلك تظهر ملامح التغيير الأكبر الملحوظ في السنوات الأخيرة التي قدمت خلالها مجموعة من الشخصيات لا يزال رواد مواقع التواصل الاجتماعي يستعيدون تفاصيلها من آن لآخر، مثل ابتهال في “حارة اليهود”، ورانيا في “الخطيئة”، و”خديجة” في “الداعية”.
أما دورها في مسلسل “لا تطفئ الشمس” عام 2017 كان بمثابة نقطة تحول في علاقة الجمهور بالشخصيات التي تجسدها ريهام عبد الغفور على الشاشة، حيث جسدت شخصية “أفنان” أو “فيفي”، الفتاة الغريبة المختلفة التي تشعر بالاضطهاد، وكذلك “رضا” التي لا تحلم بشيء سوى الزواج من خطيبها “خميس” في مسلسل “رمضان كريم”.
بعدها زاد تركيز الجمهور مع أدوارها وشخصياتها، حتى بلغت أوج تألقها في عام 2022، الذي قدمت خلاله 4 أدوار مميزة؛ أولها “ضحى” راقصة الدرجة الثالثة التي تنتحل صفة ممرضة لدى طبيب يتضح لاحقا أنه منتحل وظيفته أيضا في مسلسل “وش وضهر” مع إياد نصار، و”جيهان” الأم المكلومة عقب مقتل ابنتها الكبرى ليتضح لاحقا أن الأب هو القاتل في مسلسل “منعطف خطر” مع باسل خياط وباسم سمرة، ثم “شيرين يحيى” المسؤولة عن لعنة “الغرفة 207” مع محمد فراج، وأخيرا “فيروز” الزوجة التعيسة في “أزمة منتصف العمر” مع كريم فهمي، لكنها أزمة درامية تحول منتصف عمر ريهام عبد الغفور الحقيقي لنجاح فني مستحق.. حتى وإن أتى متأخرًا بعد 20 عاما!