تقيم دار حابي للنشر والتوزيع حفل توقيع كتاب “سفر أمثال أمي.. حكايات من المنيا” للكاتب الصحفي محب سمير، يوم الجمعة القادم، في الرابعة مساء، جناح دار حابي في صالة 1 رقم C36 بـ معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023.
“سفر أمثال أمي”، الصادر تزامنا مع معرض الكتاب، ليس كتابا عن الأمثال الشعبية، حسب مؤلفه، وإن كان ينطوي على العديد منها، وردت على لسان الأم بطلة الجزء الأول من الكتاب. ويقول محب سمير: “تُطعم أمي بالأمثلة الشعبية الخاصة جدا، حكايتها الشخصية وحكاياتها عن الناس والحياة والدين والزرع والحيوانات والطيور، وعلاقتها بكل ذلك وبحياتها في قريتي الصغيرة “البرشا”، بمحافظة المنيا.
الحكايات متسلسلة وترصد شكل الحياة في ريف ومدن المنيا وأسيوط في فترة الثمانينيات والتسعينيات. في محاولة لجمع وتوثيق أخر ما تبقى من حكايات أمهاتنا العالقة بذاكرتهم الشفهية، واكتشاف التغيرات التي جرت في شكل الحياة والعادات والعلاقات في هذه المدن والقرى مع الزمن، وتأثير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والدينية على المنطقة وأهلها. حكايات عن البشر، الشوارع والبيوت، الأرض والنيل والجبل. الطعام والشراب والملابس. تفاصيل من ذكريات ممارسة العادات والطقوس، في الموالد الدينية والأعياد، والمناسبات الاجتماعية، حكايات السبوع والطهور ومعجزات العذراء.
الجزء الثاني من الكتاب، وهو الجزء الأصغر، عبارة عن مجموعة من المقالات للتعريف بالوضع الجيو سياسي للمنطقة، وتأثير الجغرافيا والتوزيع السكاني في تنامي الطائفية الدينية في المنيا، وجعلها أخطر محافظة في مصر أمنيا. كذلك تاريخ منطقة “البرشا” في مصر القديمة وعلاقتها بتطور الديانة المصرية القديمة وتقاليد الدفن التي لازال يحافظ عليها الأحفاد حتى اليوم في نفس الجبانات.
فقرة من الكتاب بعنوان “على ما يسعد المنحوس يكون عمره نفد”
تؤمن أمي أنها “قليلة البخت” وترضى لذلك، رضا القديسات العفيفات اللاتي حكت لي عنهن في طفولتي.. دائما اختيارات أمي “بتيجي على راسها”.. تظلم نفسها بنفسها.. ودائما تقول على نفسها ” على ما يسعد المنحوس يكون عمره نفد”.. لكن الحقيقة أن أمي تظلم نفسها مرة أخرى في الحكم على نفسها.. فأغلب قراراتها أو آرائها دائما ما تكون لإنصاف الأخرين الذين تحبهم.. إن كان “أخ، أب، أم، ابن، زوج أو حفيد”.. دائما ما تجيء على نفسها من أجل أحدهم.. بتفان وحب كبيرين لا تعرف غيرهما.
دائما تتذكر أمي الثلاث بنات اللاتي كن صديقاتها في تلك الفترة.. واحدة أكملت تعليمها حتى أكملت الدبلوم وتزوجت من مهندس وتعيش في ملوي. وواحدة “اتهجلت بدري” أي ترملت بدري.. وأخرى تعيش الآن في الإسكندرية ولا تعرف عنها شيئا.
يتدخل أبي بطريقته المعهودة بسخرية لاذعة، وصوت طبقته العادية أصلا عالية “الديسابول” جدا:
“وأنتي كنتي ها تطلعي مهندزة.. ويقولوا المهندزة راحت المهندزة جات”
لكن أمي التي لا تستطيع مجاراة أبي في سخريته، ردتها له هذه المرة بقصف جبهة عنيف
“ع الأقل ما كنتش اتجوزتك.. ولا كنت لقيت واحدة تاخدك”..
ضحكت أمي بعدها بسعادة المنتصر أخيرا على خبير مثل أبي.. أنا أحب ضحكة أمي هذه.. ليت الكاميرا معي الآن لأخلد صورتها وهي تضحك هكذا، بدلا من الاعتماد على ذاكرتي التي قاربت أن تبهت ألوانها.
كاد الأبناء والأحفاد أيضا أن يغشى عليهم من رد أمي الأقوى في تاريخها في المناكفة مع أبي.. وأكملت: “ويعلم الله ماكنتش اتجوزت من أصله”.. كانت أمي بالفعل وهي صغيرة وبعد تركها للمدرسة تريد الرهبنة.. وأخبرت جدي مرارا بتلك الرغبة.. ولم يرد عليها مرة واحدة بالنفي أو الإيجاب.. لو لم تكن أمي لكانت بالفعل هذه السيدة راهبة في دير.. هي تعيش حياة الرهبان في العالم طوال الوقت، وكثيرا ما نحاول اثناءها عن الصوم، خصوصا بعد تقدمها في السن، لكنها تزغر لنا زغرة الإيمان المطلقة والثقة في أن الصوم “بيصحي مش بيتعب”.. والحقيقة أن صحة أمي تكون أفضل فعلا في فترات الصوم والأكل النباتي والمسلوق الذي تعيش عليه.. إيمانها وثقتها تجعل ذلك يحدث.. مثل إيمان أمي هو من يجعلني أصدق أن المسيحيين نقلوا “جبل المقطم” بإيمانهم هذا.
كانت أمي وهي صغيرة تصلي طوال اليوم.. وتحفظ الترانيم مع جدي.. وتذهب مع ستي كل أحد إلى كنيسة “العدرا” في القرية.. الوحيدة التي تصحو باكرا من بين شقيقاتها وتتسلل ودون مساعدة ستي، ترتدي أجمل ملابسها وصندلها، وتسرح شعرها، وتجعل ستي تضع لها قطرة من عطر جدي.. كأنها ذاهبة إلى حفل.. أمي لا تحب الحفلات أصلا.. حفلتها الحقيقية وفرحها الأكبر مع “إيمانها” في الكنيسة.. ظلت ترفض الزواج وسيرته.. انتظرها أبي سبع سنوات كاملة.. كما انتظر يعقوب راحيل.. عمل في حقل والدها بالمحراث الذي كان يمتلكه أبي هو وبقرة حمراء قبل زواجه من أمي.. دائما ما يذكرها خالي الأصغر منها بدعوتها “حلق عليه يا مار جرجس”، بعد معرفتها بطلب أبي للزواج منها.. الدعوة التي لم يستجب لها الله.. والحمد لله أنها لم تحقق رغبتها في الرهبنة لتكون هي أمي.
يذكر أن “سفر أمثال أمي”، هو الكتاب الثالث للكاتب والصحفي محب سمير، بعد كتابيه “مرة واحد مسلم وواحد مسيحي” في 2010 و “سيجارة سوبر” في 2014.