في مشهد معبر من مسرحية “تخاريف” للفنان الكبير محمد صبحي، في دور الجرسون طويل الأنف أخنف الصوت، وقف محدثاً الفنان الراحل شعبان حسين، حاكياً عن السيدة التي أخذته إلى غرفتها، وخلعت عنه معظم ملابسه لتعطي طفلها درساً مصيرياً : (لو مشربتش اللبن هتبقى زي عمو كدة).
وحين نسقط ما سبق على الإعلام المصري، سنجد الصورة غاية في الوضوح.. إعلاميين وإعلاميات بصوت أخنف ذو نبرة وحيدة لا يسمحون بصوت آخر يجاورهم على الساحة، طالت أنوفهم من كثرة الكذب والتدليس والتضليل، تعروا أمامنا جميعاً بعد كل ما مارسوه علينا من تغيير بالمواقف والادعاء والسطحية… كما أنهم يصلحون جداً لأن يقفوا جميعاً صفاً واحداً أمام طلبة الإعلام والأطفال لنعلمهم أنه (لو مكنتش مهني وفاهم شغلك هتبقى زي الناس دول كدة).
المقال لن يتكلم عن المذيع العضلات الذي كان واعياً لتصويره بالصوت والصورة، ورغم هذا لم يحافظ على الهالة المحيطة به كشخصية عامة وقرر تبادل الإيماءات والألفاظ الخادشة للحياء مع بعض مخالفيه في الآراء السياسية… ولن يتحدث مع حضرة ناظر مدرسة الإعلام المصري (وهو منصب يتشاركه ثلاثة على الأقل) الذي يجلس أمامنا لساعات ينقل لنا خلاصة علمه ودرايته كجهبذ من الجهابذة، لا ضيوف بالمشهد، ولا تقرير إن أمكن، فحضرة الناظر قرر أن يجلس أمام قطيع المشاهدين ليعلمنا كيف يكون التفكير… ولن يكون عن الفنانة فلانة الفلانية التي تتحفنا بآرائها في ملفات السياسة والمجتمع ولن يكون عن فلان أو علان … فلكل هؤلاء كلام منفصل، ولكل حادث حديث.
مقال اليوم سيكون عن درة تاج المشهد الإعلامي المهترئ … الفنانة الشابة … ريهام سعيد.
منذ زمن بعيد، وحين تعرفت إلى الدرر الإعلامية التي تقدمها ريهام سعيد (بلا ألقاب) حير قلبي سؤال غاية في الأهمية: ما هذا يا امرأة؟؟!!!
وظل السؤال يدور كلما شاهدت لها حلقة هنا أو هناك، فيديو لطريقة حديثها مع ضيوفها، أو أسمع عن حادثة شخصية لها مرة تلو المرة … اننا نتحدث اليوم عن المذيعة التي أخرجت الرجل المؤدب الوقور (يسري فودة) والذي وإن اختلفت معه في أي شئ لن تختلف على مهنيته وأدبه الجم، أخرجته عن صمته ووقاره!! وهي من نوادر الأمور.
الجهل المطبق، والعنجهية، والتعالي على الآخرين، والاعتماد على موضوعات سطحية وتافهة صنعوا من ريهام سعيد شخصية معروفة… وفي المقابل صنعت الثقافة والأدب والتواضع وحُسن اختيار الموضوعات من مذيعين ومذيعات آخرين شخصيات (مرموقة) … والفارق شاسع
ريهام وأمثالها، مسؤولون في رأيي عن حالة التوهان التي يعيشها الإعلام المصري، عن حالة التردي المؤسفة التي نراها يومياً بلا انقطاع، والانحدار الفكري والأخلاقي الذي نضطر إلى التعامل معه، فما الذي تعرفه ريهام عن قضايا الفقر والجوع، ما الذي تعيه عن كارثة إنسانية بحجم اللجوء، ما الذي تفهمه عن طبائع البشر وحالتهم النفسية إن طالهم الأذى وإن تعرضوا لضغوط…. ما هو مدى ثقافة ريهام وحجم معارفها في أي مجال (الدين/ السياسة/ علم الاجتماع/ اللغات/ الأنثربولوجي… الخ)… بالأحرى، متى جلست لآخر مرة وقرأت كتاباً في أي فرع من الفروع؟؟ …. أجزم أن الإجابة ستكون سلبية فإن شخصاً يقرأ لابد أن يكون على درجة من الوعي مهما كانت صغيرة، وريهام في الواقع لا تعي على الإطلاق مدى رداءة ما تقدم.
لي العديد من الأصدقاء هاجوا وماجوا بعدما رأوا حلقة ريهام حول اللاجئين السوريين وقرروا تدشين حملة على الفضاء الإليكتروني لمقاطعة ريهام، ولتعديد مساوئها كشخص.. وأنا في الواقع أميل إلى تجاهلها وتجاهل من هم على شاكلتها… حاربوهم بالتجاهل يا سادة، عاملوهم على أنهم كماً مهملاً فيصبح مصيرهم محتوماً.. غياهب النسيان.. فتموت ريهام ويموت من يشبهونها إعلامياً بمرض التجاهل قبل ان يموتوا فعليا منسيين منبوذين مطرودين من نعيم حبنا وتقديرنا… والله أعلم.