حصد فيلم "المرهقون" اليمني جائزتي منظمة العفو الدولية والمركز الثاني كأفضل فيلم روائي بقسم البانوراما بتصويت الجمهور في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي الدولي ليسجل الحضور الأول على الإطلاق في المهرجان السينمائي الألماني الأشهر عالمياً.
وتدور أحداث الفيلم الذي نال إشادات نقدية وجماهيرية حول قصة زوجين وأطفالهما الثلاثة، فبعد معرفة الزوجة بأنها حامل رغم اتباع وسائل منع الحمل، يتفق الزوجان على خضوع الزوجة للإجهاض بسبب الوضع الاقتصادي السئ وفقدان الأب لعمله نتيجة الوضع الاقتصادي في عدن.
مخرج الفيلم عمرو جمال الذي درس الهندسة ولم يدرس السينما أكاديميا يقدم في تجربته الروائية الطويلة الثانية قصة سينمائية مستوحاة من أحداث واقعية صورها بالكامل في مدينة عدن بعد تجارب مسرحية عديدة بدأها قبل أكثر من 17 عاماً بين المسرح والتليفزيون والأفلام القصيرة.
يقول عمرو جمال في مقابلة مع إعلام دوت كوم أن فكرة الفيلم عايشها عن قرب مع صديق وقريب له مع بداية ما عرف بالربيع العربي عام 2011 عندما بدأت الأوضاع الاقتصادية في الانهيار باليمن، وشهد محاولته في البداية اتخاذ قرار بإجهاض طفله قبل أن يتراجع عن هذه الخطوة بسبب الوازع الديني، ليتكرر الأمر مجدداً عام 2015 ويقرر الزوجان بشكل حاسم إجهاض الطفل بسبب الأوضاع الاقتصادية ورحلتهم في البحث عن تفاصيل بالدين تتيح لهم هذه الخطوة.
يشير مخرج الفيلم إلى أن ما دفعه لكتابة القصة وتحويلها إلى عمل سينمائي جملة قالها له صديقه " بأنه لولا الظروف الصعبة لكان الطفل الرابع بين أخوته اليوم" لافتا إلى أن الإجهاض للطفل عبر برمزية عن إجهاض أحلام ومستقبل ملايين المواطنين في اليمن.
رحلة صعبة
لم تكن رحلة خروج الفيلم للنور سهلة بحسب المخرج اليمني الذي يتحدث عن صعوبات متعددة لم تكن مرتبطة بالتمويل فقط حيث حصل الفيلم على دعم ومنح ومتعددة خلال مراحل الإنتاج ولكنها امتدت إلى ظروف التصوير بعدن والاشتباكات العسكرية التي تحدث بين الحين والآخر فضلاً عن الصعوبات فيما يتعلق بتوفير الكهرباء والاضطرار للذهاب لمنازل الممثلين لإخبارهم بمواعيد التصوير حال تعديلها نتيجة صعوبة شبكات الاتصالات.
يتذكر عمرو جمال اضطرار فريق العمل للبقاء محتجزين في فندق لمدة 5 أيام بسبب المواجهات العسكرية مما أوقف التصوير بشكل كامل بجانب الاضطرار للتوقف لفترات بسبب سماع إطلاق رصاص دون معرفة مصدره وغيرها من العقبات التي فرضتها بيئة التصوير بشوارع عدن.
لكن في مقابل الصعوبات يتحدث عمرو عن مساعدات الأهالي وتعاونهم من أجل إنجاز التصوير في الشارع وبالأماكن العامة خاصة مع حرصه على توثيق واقع المدينة سينمائياً واستغلال الفرصة النادرة بتصوير فيلم سينمائي من أجل حفظ صورة المباني والشوارع لتكون في ذاكرة الأجيال المقبلة.
يشير عمرو إلى أن نجاحهم في إنجاز تصوير جزء من المشاهد قبل الحصول على دعم خارجي ساعدهم كثيراً في اقناع المهرجانات السينمائية بالفيلم ومن ثم الحصول على منح عبر صناديق الدعم مكنتهم من استكمال التصوير والانتهاء من العمل بالكامل.
الفنون مصدر للوحدة
يثق عمرو جمال في أن الفنون توحد ولا تفرق ومن ثم فإنه يطمح لتقديم أعمال سينمائية اجتماعية تعبر عن واقع المجتمع، مشيراً إلى أن تجربة "المرهقون" أبعد من إثارة الجدل والدخول لخوض نقاش فيما هو حلال أو حرام بشأن مسألة الإجهاض، لكون العمل يناقش المشكلة الاقتصادية التي أرهقت اليمنيين وأثرت على نواحي حياتهم المختلفة وهو ما يعبر عنه اسم الفيلم.
يرى عمرو جمال أن الفنون حظيت بأهمية كبيرة في مدينة عدن التي عرفت المسرح قبل أكثر من 120 عاماً وكان بها العديد من الفرق المسرحية قبل أن تسلم المدينة للقوى المتشددة دينياً بعد حرب 1994 والتي أغلقت المسارح ودور العرض السينمائي وهو ما جعل أهلها محبين للفنون وحريصين على التفاعل مع فرقتهم المسرحية التي قدم مع زملائه من خلال عشرات العروض خلال السنوات الماضية.
سعادة منقوصة
بالرغم من سعادة عمرو جمال بالفوز بجائزة منظمة العفو الدولية وتصويت الجمهور الذي فاق 20 ألف شخص غالبيتهم لا يجيدوا العربية من الحضور لصالح الفيلم إلا أنه لم يخف شعوره بالضيق من عدم قدرة فريق عمل الفيلم على الحضور إلى المهرجان من أجل مشاهدة الفيلم مع الجمهور نتيجة صعوبة استخراج الفيزا الخاصة بدخولهم إلى ألمانيا والتي كانت تهدد حضوره هو شخصياً إلى المهرجان.
وأضاف أن إغلاق السفارات في اليمن والاضطرار للسفر لدولة وسيطة من أجل التقدم للحصول على تأشيرة ثم الانتظار لفترة لا تقل عن أسبوعين للقبول أو الرفض يحمل اليمني تكلفة إضافية ضخمة مالياً خاصة مع صعوبة الموافقة بغالبية الحالات نتيجة "التخوف الأوروبي" من عدم عودة اليمنيين إلى بلادهم وهو أمر يعكس ازدواجية المعايير الأوروبية في التعامل مع الوضع باليمن.
عروض مرتقبة في عدن
رحلة الفيلم التي انطلقت عبر مهرجان برلين مستمرة عبر مهرجانات آخرى بالتنسيق مع الشركة الموزعة للفيلم كما يقول المخرج اليمني الذي يؤكد حرصه على عرض الفيلم بعدن بالرغم من عدم وجود صالات سينمائية من خلال تجهيز مكان للعرض على غرار تجربته الأولى.
يختتم عمرو حديثه بالتأكيد على أن قناته بأن الفيلم صنع من الواقع المحلي وللجمهور المحلي ومن ثم العالم مدعو لمشاهدته لذا هناك أهمية لعرضه للجمهور في داخل اليمن وعدن لمشاهدته حتى رغم وجود بعض العوائق الفنية التي سيتم السعي للتغلب عليها.