كيف ناقشت الأعمال الفنية خطورة الشائعات
نرمين جودة
تعد الشائعات من الأمراض الاجتماعية الخطيرة التي اهتم بدراستها علماء النفس لما تسببه من أضرار جسيمة للأفراد والمجتمع؛ فالشائعة موضوع خاص يتناوله الأفراد بواسطة الكلمات بقصد تصديقه أو الاعتقاد بصحته دون توفر أدلة كافية لإثبات صحته، وتهدف الشائعات إلى تدمير المعنويات وبث الشقاق والعداء وعدم الثقة والإرهاب اللفظي وبث الرعب في النفوس.
ونظرا لخطورة الشائعات وقدرتها على التأثير المجتمعي؛ اهتم صناع الدراما المصرية بتقديم أعمال تتناول الشائعات ومدى خطورتها، وخاصة الشائعة الاجتماعية والتي تعد من أصعب وأبشع أنواع الشائعات؛ فهي ككرة الثلج كلما تحركت ازداد حجمها وخطرها.
وقد قدم مسلسل “الآنسة” للفنانة القديرة الراحلة سناء جميل مأساة مدرسة اللغة الفرنسية سناء مع الشائعات التي أطلقتها عليها زميلتها بالمدرسة ميرفت، فميرفت هي العصفورة التي تتجسس على زملائها لنقل أخبارهم إلى حضرة الناظرة، ونتيجة لتصديق الناظرة لمهاترات ميرفت تقع الناظرة في مشاكل عديدة، وتتورط في ظلم المدرسة سناء التي تظهر براءتها في النهاية.
ويظهر المسلسل مدى دناءة أفعال كل من الناظرة وعصفورتها ميرفت؛ حيث لا تكتفي العصفورة بنقل حقائق بل تقوم بتحريفها وتحليلها بشكل يسيء إلى الآخرين، فشعورها بالنقص والحقد والغيرة وطموحها الذي يعلو سقف قدراتها وإمكانياتها يجعل سلوكها يؤول إلى السلوك العدائي، والذي قد يصل إلى حد التشويه والتشهير بالآخرين.
وهذا ما شاهدناه بمسلسل الآنسة عندما قامت بالتشهير بزميلتها سناء وادعت أن ثمة علاقة غرامية بينها وبين شخص يعمل بألمانيا، وحتى بعد أن أخبرتهم سناء بأن عادل هو أخيها إلا أن ميرفت تمادت في التشهير وتكذيب حديث سناء، مدعية أن سناء توهم المحيطين بها بأن عادل أخيها وأن الحقيقة أنه حبيبها الذي تكتب له خطابات غرامية وترسلها له بألمانيا؛ ولأن البلدة التي تعمل بها سناء يتميز أهلها بالجهل ويعتمدون على الثقافة السمعية كمصدر لجمع معلوماتهم؛ فإنهم يصدقون كل الأكاذيب الدائرة حول سناء، وهنا يكشف لنا المسلسل العلاقة الوثيقة بين انتشار الشائعات وانتشار الجهل بين من يصدقها.
أما مسلسل “برج الحظ” للفنان الراحل محمد عوض؛ فقد قدم تحليل نفس اجتماعي للأسباب التي يسوقها أي فاشل ليعلق عليها فشله وضعف قدراته ومهاراته الإبداعية، وتقف وراء انتشار الشائعة ودوافع تصديقها وتأثير الفروق الفردية في الحكم على صحة الشائعات، فالشخص الجاهل والفاشل يصدق الشائعات بسهولة بل ويبحث عن المبررات والأسباب والشواهد التي تؤكد مصداقيتها، في حين نلاحظ كيف يرفض الناجح والمثقف تصديقها، ويقدم البراهين على أنها مجرد أكذوبة يصنعها حاقد ليدمر ناجح.
أما فيلم “فوزية البورجوازية” فقد تناول الشائعة السياسية بأسلوب كوميدي ساخر؛ حيث استخدم الطالب الجامعي الانتهازي الوصولي “إبراهيم” الشائعة الأيديولوجية لتقسيم أهل “درب المواردي” إلى حزبين متصارعين أيديولوجيا؛ فريق رأسمالي بقيادة الأسطى بدار الحلاق وفريق اشتراكي بقيادة أبو يزيد البقال، مستغلا انتشار الجهل بين أفراد الدرب؛ ومن ثم يستطيع تحقيق مكاسب مادية من الطرفين.
أما فيلم “دكتوراه مع مرتبة الشرف” فتناول دورة حياة الشائعة وطريقة انتشارها داخل المجتمع، وتحولها إلى مجموعة من الشائعات الفرعية المرتبطة ارتباط وثيق بالشائعة الأصلية؛ حيث بدأت الشائعة بانفصال الدكتورة آمال عن خطيبها الدكتور وليد؛ لتنبثق منها شائعتان فرعيتان: شائعة وجود علاقة بين الدكتور وليد وسكرتيرته وأخرى بوجود علاقة بين الدكتورة آمال والدكتور خالد المعروف بأنه زير نساء، ورغم أن الشائعة الأصلية من صنع الدكتورة آمال ودكتور وليد إلا أنهما تأثرا بها وتوترت علاقتهما.
وهكذا من خلال النماذج الدرامية السابق ذكرها، يتضح أن الفن لا يقتصر دوره على التسليه والترفيه؛ ولكنه يعد بمثابة مرآة تعكس ما قد يصيب المجتمع من أمراض اجتماعية؛ في محاولة من صناع الأعمال الفنية لتحليل وتفسير تلك الأمراض الاجتماعية، لعلهم يساعدون في حلها.