عندما سئل الرئيس عبدالفتاح السيسي في حواره مع شبكة «CNN» الأمريكية قبل يومين عن حرية الصحافة والإعلام والعاملين بهما فى مصر، كانت إجابته: «أنا مش عايز أكون مبالغ، لكن أؤكد أن إحنا عندنا حرية إعلام غير مسبوقة، ومفيش حد فى مصر فى الإعلام أو فى الصحافة حد ممكن يحجر على رأيه أو يمنعه أو حتى يسئل. وما حصلش خلال المدة اللى أنا أتولى فيها السلطة إن حد اتحاسب على الرأى من الصحفيين والإعلاميين أبداً أبداً ولا من غير الصحفيين والإعلاميين». هذه الإجابة تفتح الباب، ربما لوجود قدر من الاختلاف حولها فى أوساط الصحفيين والإعلاميين أنفسهم، للحديث الصريح والواضح عن علاقة الرئيس بالصحافة والإعلام منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ثم توليه رئاسة البلاد، وما يمكن القيام به من جانبه ومن جانب السلطات العامة فى الدولة، من أجل تأكيد ما ذكره الرئيس فى إجابته.
وتبدأ العلاقة بين الرئيس والصحافة والإعلام أثناء توليه منصب وزير الدفاع فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، حيث بدا واضحاً له ولكل مسؤولى وأجهزة الدولة المصرية المعترضين على حكم الإخوان، مدى أهمية ومحورية الدور الذى قام به الإعلام والصحافة فى مواجهته وتعريته وتعبئة المصريين للخروج يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣. واحتفظ الرئيس من حينها بتقديره العالى، والذى رأى البعض أنه مبالغ فيه، للصحافة والإعلام فى مصر، وحرصه، الذى رأى البعض أيضاً أنه مبالغ فيه، على عدم التدخل منه شخصياً أو من مؤسسة الرئاسة أو من الحكومة أو من الأجهزة الأمنية المختلفة فى أى شأن من شؤون الصحافة والإعلام المصريين بأى صورة كانت. بل أكثر من هذا، فبالرغم من عدم رضا الرئيس وكثير من مسؤولى الدولة الكبار عن بعض ما ينشر فى بعض الصحف القومية المملوكة للدولة، أو السلوك السياسى لبعض المسؤولين عنها، فلم يحدث أبداً أن تدخل أو أشار بالتدخل من أى نوع لمحاسبة أو عزل هؤلاء، تاركاً الأمر كله لتقدير الجهة المسؤولة عنها وهى المجلس الأعلى للصحافة.
وما قاله الرئيس فى إجابته على سؤال مذيع القناة الأمريكية صحيح تماماً فى عدم التدخل بالمنع أو الحجر أو المساءلة أو المحاسبة لأى صحفى أو إعلامى ولا من غيرهم عما يكتبونه أو يقولونه فى صحفهم ووسائل إعلامهم، وهذه شهادة عيان يؤكدها ما ينشر من مقالات وآراء معارضة ليس فقط للرئيس ونظامه بل ولثورة ٣٠ يونيو نفسها فى صحف معروفة بعضها خاص وبعضها قومى، وما يقال- وهو أقل- فى بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وإذا كانت شهادة العيان هذه غير محيطة بكل تفاصيل المشهد الصحفى والإعلامى، وهناك وقائع مخالفة لها، فالرجاء من أصحابها نشرها بكل السبل التى يملكون للتعرف على كل ملامح هذا المشهد.
ومع هذا فقد شاب مشهد حرية الصحافة والإعلام فى مصر فيما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ شائبتان كبيرتان. الأولى هى التجاوزات المهنية والأخلاقية الفجة التى ارتكبها عدد من الإعلاميين والصحفيين فى أدائهم وإيحاء بعضهم بقربه من الرئاسة والنظام، وهو ما لم ينفه أحد منهما فى تقدير غير صحيح للموقف، الأمر الذى خلق حالة من الفوضى وانعدام المعايير فى الوسط الإعلامى والصحفى. وكانت الشائبة الكبرى الثانية هى استمرار بعض المسؤولين المتوسطين والصغار فى بعض الأجهزة الأمنية فى التعامل الجزئى ودون رؤية أشمل للوضع السياسى الكامل للبلاد مع بعض الصحفيين وأقل مع بعض الإعلاميين، بما خلق حالات وأوضاع بدا وكأنها تمس حقوقهم المهنية ووضع الرئيس والدولة كلها فى مواقف حرجة، ولعل التعامل مع صحفيى الجزيرة فيما عرف بقضية «خلية الماريوت» كان هو المثال الأبرز لهذا.
وقد نتج عن هاتين الشائبتين أن وضعت مصر فى موقع حرج فى عديد من المحافل الدولية، حيث التقط الإخوان وحلفاؤهم بعضاً من هاتين الشائبتين لكى يشيعوا صورة غير حقيقية لحرية الصحافة والإعلام فى مصر، كان التعبير المباشر عنها السؤال الذى وجهه مذيع القناة الأمريكية للرئيس، وقبله ممثل وكالة الأسوشيتد برس أثناء زيارته الحالية لنيويورك.
نقلاً عن “المصري اليوم”