“وجايلي هنا بطولك كدة أهو، إيديك فاضية يعني، ما عندكش واسطة من مغنية، من رقاصة، من طبلجية؟” كان هذا هو السؤال الذي سأله سليمان نجيب لنجيب الريحاني في فيلم “لعبة الست” عندما دخل عليه “حسن أبو طبق” لأول مرة ليقدم نفسه للحصول على وظيفة مستخدم في المحل الذي يملكه. وكان “ايزاك” أو سليمان نجيب قد استشاط غضباً لما اكتشف أن كل من تقدم إليه جاء له بواسطة للحصول على الوظيفة وقال بعد أن انصرف أحد المتقدمين:
الأفندي الطويل العريض ما يختشيش على دمه جايبلي ست أحلام الرقاصة واسطة!
كتب سيناريو وحوار هذا الفيلم بديع خيري ونجيب الريحاني سنة 1946 أي منذ 69 سنة تقريباً. ويبدو أن الواسطة كانت سمة سائدة في ذلك العصر كما هى سائدة في عصرنا الآن بشكل أو بآخر. واستمع إلى صديق “ايزاك” الذي كان حاضراً معه أثناء إحدى المقابلات يقول:
يا أخي الدنيا كلها على كدة، فيه حاجة تتم في الزمان ده من غير واسطة!
ليس الغريب في الواسطة في حد ذاتها لأن الواسطة موجودة في مصر منذ قديم الأزل وستظل موجودة بشكل أو بآخر، إنما الغريب إلى من يلجأ الناس للحصول على الواسطة، ولماذا وجه “ايزاك” هذا السؤال لحسن أبو طبق في الفيلم “ما عندكش واسطة من مغنية، من رقاصة، من طبلجية؟” ولماذا حدد المغنية والراقصة؟!
في الحقيقة، للإجابة عن هذا السؤال، نشير إلى العلاقة بين الرقص والسياسة والدور الذي لعبته بعض راقصات مصر في السياسة ومدى تأثير هذا الدور على الأحداث. وقد اختصرت الراقصة “سونيا” في فيلم “الراقصة والسياسي” العلاقة بين الرقص والسياسة وقالت: “إحنا الإتنين بنرقص، أنا بلعّب وسطي وأنت بتلعّب لسانك“.
وقد استعانت الحكومة المصرية ببعض الراقصات لتحقيق غايات سياسية. يذكر الروائي المصري علاء الأسواني في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أنّ وزارة الخارجية المصرية طلبت من الراقصة نجوى فؤاد أن تقدّم عرضاً خاصاً لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، عندما زار القاهرة ضمن جولة المفاوضات التي أدّت إلى معاهدة “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل.
وتعدّ تحية كاريوكا الأكثر انخراطاً في السياسة المصرية. إذ اعتقلت بسبب نشاطها السياسي أكثر من مرّة، وكانت عضواً في تنظيم “حدتو” (حركة ديمقراطية للتحرير الوطني)، وفي الحزب الشيوعي المصري. وتدربت كاريوكا على استخدام السلاح خلال العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وخلال حرب يونيو 1967. وجمعت مع الفنانة أم كلثوم الحصة الأكبر من التبرعات. وتعتبر كاريوكا من كبار مناصري القضية الفلسطينية.
وقد أثارت الراقصة “سما المصري” جدلاً كبيراً مؤخراً بعد إصرارها على خوض الانتخابات البرلمانية، خاصة بعد اختيارها لدائرة “الجمالية” التي يطلق عليها “دائرة السيسي” نسبة إلى مسقط رأس الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقد اشتهرت “سما المصري” بعد أن نشرت عام 2013 فيديوهات على موقع “يوتيوب” تسخر فيها من الرئيس الأسبق محمد مرسي ومن جماعة الإخوان المسلمين.
كما أثارت الراقصة “صافيناز” جدلاً أكبر عندما قامت بارتداء بلدة رقص مكونة من ألوان العلم المصري في شهر مايو في 2014 في اليوم السابق لانتخابات الرئاسة. مما دعا سيدة أعمال ومالكة فندق شهير بمنطقة المهندسين أن تتهمها بإهانة العلم. وقضت محكمة جنح العجوزة بحبس “صافيناز” 6 أشهر وتغريمها 15 ألف جنية. وتم تبرئتها بعد ذلك والغاء الحكم بحبسها. تصدرت “صافيناز” قائمة الأشخاص الأكثر بحثاً على جوجل في مصر خلال 2014 متفوقة بذلك على خالد صالح والرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأخيراً نقول: ماذا لو كانت “صافيناز” أو “سما المصرى” واسطة “حسن أبو طبق” في فيلم “لعبة الست”؟ هل سيظل موقف “ايزاك” الرافض للواسطة كما هو لا يتغير؟ وإن كان “حسن أبو طبق” أحب زوجته، الراقصة، حتى أصبح “لعبة الست”، إذاً فكلنا “حسن أبو طبق”، كلنا “لعبة الست”.