سالي فراج أحمد خالد توفيق
دائما ما نقرأ أعمال أدبية مختلفة للعديد من الكُتّاب، دون التركيز على حياتهم الشخصية أو النظر لكواليس كتابة الأعمال، رغم أنني لست من الجيل الذي تربى على روايات الجيب للدكتور الراحل أحمد خالد توفيق، ولكنني بالطبع شاهدت مسلسل “ما وراء الطبيعة” الصادر عام 2020، والمأخوذ عن السلسلة التي تحمل نفس الاسم، ورأيت أيضا مشهد جنازته المهيب الذي كان في 2 إبريل عام 2018 وما كُتب على قبره “جعل الشباب يقرأون”.
تعرفت على “العراب” من خلال حب قراءه له، وكيف كان مؤثرا كبيرا في حياتهم وخاصة جيل الثمانينيات، ما أثار فضولي أكثر عند إعلان منصة “Storytel” الصوتية، عن صدور كتاب صوتي بعنوان “أسطورة أحمد خالد توفيق”، والذي يتناول قصة حياته مخلوطا ببعض من الخيال مع شخصيات أعماله الأدبية، قررت أن أحاول اكتشاف قصة حياة “العراب” من خلال الكتاب، والذي تمنيت أن أراه، أو أن يجمعني به حوار صحفي، من شدة حب الناس له.
استطاع خلف جابر على مدار 9 فصول أن يغوص في حياة “العراب”، بصوت الفنان أحمد أمين، حتى يكشف لنا كيف كانت حياته؟ وكيف كان يجهز نفسه لكي يصبح كاتبا؟ أو بمعنى أصح خالقا لعالم ما وراء الطبيعة، ولا شك أن هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في ذلك، فوالده كان يصطحبه أسبوعيا للسينما، غير رؤيته له وهو يقرأ، واكتشافه أنه يمتلك موهبة الكتابة من خلال حصة التعبير التي استطاع أن يكتب فيها موضوعا تعبيرا ظنت المعلمة أنه قام بسرقته.
سيرة ذاتية موازية
طوال أجزاء روايات “ما وراء الطبيعة” كان “العراب” هو المتحكم في الأحداث، التي أراد أن ينهيها على 50 عددا فقط، ولكنه تراجع لاعتقاده أن العدد غير كافي للحديث عن كل ما يُريد، ولكن ماذا لو حدث العكس واستطاع رفعت إسماعيل أن يتحكم في حياة “توفيق”، ويختار بينه وبين قرينه من الأفضل، وهذا ما فعله “جابر” خلال الفصول فطريقة الكتابة وعرض السيرة الذاتية سلسة فلم أستطع أن أفرق -طوال فترة استماعي- بين ما هو خيال وما هو حقيقة واعتبرت جميع ما ذُكر حقيقة حتى مقابلة العراب لرفعت إسماعيل!
يوم الثلاثاء المشئوم
جعل “جابر” من يوم الثلاثاء يوما محوريا للشخصيات حيث بدأ بها الأحداث، وانتهت أيضا بيوم وفاة “العراب” الحقيقي، فعن طريق خلق سيرة ذاتية موازية للعمل وظهور شخصية رفعت إسماعيل ودمجها في السيرة الذاتية من خلال مكالمة تليفون تصل لدكتور أحمد مع قرينه في العالم الموازي لمحاولة كسر حالة الملل وتبديل الشخصيات! وتحديد موعد للقاء رفعت إسماعيل بطريقة تثير الاهتمام، وهي المرة الأولى التي أقرأ فيها ذلك فنحن نقرأ روايات تعتمد على الخيال، أو سير ذاتية تحكي قصصا حقيقية ولكن للمرة الأولى التي أقوم فيها بقراءة دمج بينهما، وأعتقد أنها تجربة مُرضية لمن يُريد التعرف على العراب وشخصياته الروائية، غير أنها أضافت المتعة للأحداث.
تشابهه مع شخصياته
ركز “خلف” على إظهار التشابه بين “توفيق”، و”إسماعيل” فلم يختلف رفعت إسماعيل عن “العراب” كثيرا فإدمانه على السجائر بعد أول مرة شربها فيها ولم يعترض والده، وأصبح مدخنا شرها حتى اضطر أن يبتعد عنها في عام 2011، غير علاقته التناقضية بالمرأة وعالمها والتي ظهرت في رواياته مثل “عبير” في روايات “فانتازيا”، و”إيناس” في “الجاثوم”، وخاصة علاقة ماجي برفعت إسماعيل التي كانت تتشابه مع علاقة حقيقة خاضها “توفيق” عند شعوره بميله اتجاه فتاة أجنبية.
حبكة مفككة لا تصلح للنشر
كانت طقوسه اليومية هي أنه يُفضل الكتابة في وقت الليل، اعتقادا منه أنه وقت مناسب للكتابة وظهور العفاريت، فاعتاد أن يكتب 4 ساعات يوميا في المساء، بعد أن ينام الجميع ففي الليل تسكن حركة البيت وتتوقف السيارات عن نداءاتها ويخفت صوت الجيران وأطفالهم ومن ثم تخرج شخوصه آمنة من رأسه إلى الورقة البيضاء، ولكنه رغم ذلك فقد قُوبلت أول رواية في سلسلة “ما وراء الطبيعة” بالرفض، ولكن الدكتور نبيل فاروق كان يرى فيه شيئا مختلفا ولم يخف أن ينافسه في عمله ووافق على نشرها عندما كان رئيسا للجنة القراء بالمؤسسة الحديثة.
صوت أحمد أمين أم رفعت إسماعيل
لا شك أن اختيار صوت الفنان أحمد أمين لقراءة الكتاب كان موفقا، فجعلني أشعر أنني أستمع إلى تكملة أخرى لسلسلة ما وراء الطبيعة، وأن كل ما يحدث فعلا كان يحدث لرفعت إسماعيل، وأعتقد أنه خلق نوعا من الألفة بينه وبين المتلقي فأصبحنا نميز صوت “أمين” بكل ما هو “ما ورائي”، ولكن بعض الفصول أصابتني بالملل، أو لأنني كنت أركز أكثر على نشأته وكيف استطاع أن يكون ملما بكل هذه المعلومات ومن أين يعثر على الأفكار.
أما الفصل الذي أرى أنه كان يحتاج إلى مزيدا من التفاصيل هو الفصل الأخير وخاصة مشهد الوفاة، ولكن في المجمل الكتاب فكرة جديدة ومختلفة لكل من يريد معرفة المزيد عن حياة العراب، ونوستالجيا للأجيال التي تربت على أدبه، والتي تمنيت أن أكون من بينهم.