1: قبل نحو أربعة عقود كتب فنان الكاريكاتير الفلسطينى الشهيد ناجى العلى فى إحدى رسوماته عميقة الدلالة: «من رأى منكم أحدا يثق بإسرائيل وأمريكا فليقاومه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فبهذا- وأشار إلى الكلاشينكوف- وهذا أضعف الإيمان»، لخص ناجى العلى فى رسمته تلك الشعور الجمعى العربى آنذاك تجاه إسرائيل وأمريكا، وصدقاً نطقت رسوماته، فما من أحد وثق بإسرائيل وأمريكا وهرول نحوهما إلا وكان حصاده الشوك وكأسه العلقم.
ترى هل تغير هذا الشعور الآن؟
تأتينا الإجابة من استطلاع للرأى أجراه مركز بصيرة على عينة عشوائية من المصريين، إذ وضعت غالبية العينة المستطلع رأيها إسرائيل على رأس قائمة أعداء مصر، وبالطبع فإن الحبل السرى الموصول دوما بين واشنطن وتل أبيب يجعلنا نضع أمريكا فى ذات الخانة دون أى إخلال بقواعد استطلاعات الرأى. وفى القائمة تركيا وقطر ولا حاجة لنا بالإسهاب فى علاقتهما بواشنطن،
2: قبل نحو خمسة أعوام جمعتنى بالعالم المصرى الأمريكى أحمد زويل جلسة ضمت عددا من العاملين فى مجال الصحافة والإعلام، كانت جلسة دردشة عامة أو هكذا بدت.. ساعتها سأل الدكتور زويل: ترى هل يكره المصريون أمريكا ولماذا؟ استفزنى السؤال فقلت بالتأكيد يكره المصريون أمريكا لكن القضية فى رأيى تتخطى حدود العاطفة التى يحلو للبعض أن يصف بها أى شعور جماعى، خاصة إذا صدر من المصريين، فالشعب المصرى الذى يحمل تاريخا عريضا على ظهره يمكنه أن يدرك من يحبه ويعمل لأجله ممن ينصب له الفخاخ واحداً تلو الآخر حتى لو أغرقه بمعسول الكلام، فعداء المصريين لأمريكا هو رد فعل نتيجة المواقف الأمريكية، فأمريكا هى من بادرت بالعداء وأمريكا هى من حاصرتنا اقتصاديا ودعمت ولاتزال تدعم إسرائيل فى مواجهتنا، وأمريكا هى من أعطتنا معونة اقتصادية باليمين لتأخذها مضاعفة بالشمال، ورحت أعدد مواقف أمريكا تجاه مصر سواء كان ذلك فى سنوات المواجهة فى الخمسينيات والستينيات أو فى سنوات «الشراكة الاستراتيجية» بعد نصر أكتوبر وحتى الآن،
فانبرى أحد الموجودين ليرد قائلا: هذا تحليل ناصرى كلاسيكى تغلب عليه العاطفة، وفى العلاقات الدولية لا مجال للعواطف.
كنت أود أن أرد بأن ما ذكرته لا علاقة له بالعواطف لولا أن الدكتور زويل فاجأ صاحبنا بقوله: أعتقد أن ما يقوله صحيح وأتصور أن الدور الأكبر يقع على أمريكا التى يجب أن تغير سياساتها تجاه المنطقة ومصر فى القلب منها. لم يشف رد زويل غليلى لكنه كان كفيلاً بإنهاء الحوار ليعود دردشة عادية.
3: فى الأسبوع الماضى نشرت الصحف الإسرائيلية معلومات مخابراتية تفيد بأن إسرائيل صدرت أسلحة لعدد من الجماعات الإرهابية فى أكثر من موقع، وأن داعش وأخواتها يستخدمون أسلحة إسرائيلية، وفى ذات الأسبوع اعترفت أمريكا بأن معارضين سوريين ممن دربتهم البنتاجون و«سى آى أيه» على حمل السلاح قد سلموا أسلحتهم لعناصر جبهة النصرة المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة، قبلها كانت الأسلحة التى قالت واشنطن إنها وصلت بالخطأ لتنظيم داعش بعد أن ألقت بها الطائرات الأمريكية فى صحراء العراق.
4: فى الأربعاء الماضى نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى أفيخاى أدرعى على حسابه على موقع تويتر مجموعة من الصور القديمة للجيش الإسرائيلى: من بينها صورة لوزير الخارجية الأمريكى دالاس وهو يستعرض الجنود الإسرائيليين عام 1953، ونشر أيضا صورا أخرى من حروب إسرائيل ضد العرب، ومن بينها صورة قال إنها لطيارين عادوا من عملية ناجحة ضد مصر فى حرب الاستنزاف.. يريد أفيخاى أن يذكرنا بالعداء، ليكن، فقد سبقه استطلاع رأى بصيرة الذى يؤكد أن غالبية المصريين يرون فى إسرائيل العدو رقم واحد للمصريين.
5: فى أعقاب حرب يونيو قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير: «إن التسوية فى رأيى هى أن أذهب لأتسوق من الموسكى فى القاهرة أو سوق الحميدية فى دمشق دون أن يبدو الأمر مستغربا».
الآن مضى على أمنية جولدا ثمانية وأربعون عاما، ومضى على معاهدة الصلح بين بيجين والسادات ستة وثلاثون عاما، ولم تتحقق الأمنية.. لأن- ببساطة- الشعب المصرى لم ينس، وكيف له أن ينسى والحرب لم تضع أوزارها بعد.