مطلوب منك طوال الوقت، أن تعلن أنك معه، متماهي حد الاندثار، تتبنى كل قناعاته حتى تلك المتماهية مع الجماعات الأكثر سخاءً في تطرفها و غلوها، و إجرامها، ذلك حتى تحظى بعلامة “النضال”!
وإلا فإن لعنات الإله والناس ستنهال عليك، ولن تنقذك أفعالك أو أفكارك التي تعتقد واهماً أنها بمثابة “حائط صد” ضد الكثير من الاتهامات الواهية، .. إنتبه “أنت الآن في فضاءات السوشيال ميديا”، حيث كل شيء يدور في فلك اللا منطق، فلك الاصطفافات والتخندقات الافتراضية، حيث لا يمكنك أقناع أحد مثلا في كونك “معارضا للسيسي دون أن تكون مطبلا ل مرسي وجماعته !، أو تكون معارضا للأسد دون ان تتعاطف مع داعش وأخواتها !
أرجوك لا تحاول أن تقارب الأمر منطقيا، لا شيء يخضع للمنطق هنا، ف “للعالم الأزرق” منطقه الخاص، بعد أن أضحى كل من يملك حسابا مجانيا على “الفيس بوك او تويتر ” يملك إمكانية أن يُنصب نفسه قاضيا وحكماً،! هكذا يتم تدوير الأمور والأحكام وتأسيس القضايا هنا !
أمامك الان فرصة أن تكون “فارساً” -بجواد او دونه- لن يستغرق الأمر كثيراً لتحويلك من “خائن لقضيته” الى مناضل من الطراز الأول، ما دمت تملك قليلا من الوقت وكثيراً من القدرة على التماهي، لن يحتاج الأمر إدارة قرص الكون،- كما تعتقد – كل ما في الأمر، تصفُح سريع وخاطف، لبعض صفحات الاصدقاء الأفتراضيين، ثم كتابة بعضا من الجمل الركيكة، المزودة بطاقة عالية من المخادعة، وقدر عال من الدغدغة لمشاعر العامة… “مبروك أنت الآن من شرفاء الأمة ومن مناضليها العظماء” !بشرط ان تُبقى قدرتك على الخداع يقظة بشكل كافٍ، و وعيك المتراكم في اجازة مفتوحة .
لست الان بحاجة ماسة، الى رأي الفيلسوف الايطالي الكبير “أمبرتو إيكو” لتكتشف أننا أمام “غزو البلهاء”لستْ بحاجة ايضاً أن تتحسس رقبتك وانت تقرأ حواره مع صحيفة لاستمبا الإيطالية، التي وصف فيها هذه الشبكات (شبكات التواصل الاجتماعي)بأنها تمنح المساحة “لفيالق من الحمقى لينشروا جهلهم” بإمكانك إعتبار ذلك مجرد حديث طبقي لرجل يعيش في ابراج عاجية، و لا يرى أبعد من أرنبة أنفه المزكوم، كما يمكنك تكييف ذلك بعبارات من قبيل ” انه حديث مستبد يلغ الحرية، حرية الدهماء في تصدر المشهد العام والخاص” .
هكذا ستريح ثمة شيئا ما قد يتحرك -سهوا- من بقايا ضميرك النائم، أمام عنفوان انتصارات كاسرة، تحققها دون خوض أي معركة حقيقية.. كل شيء هنا بخس الثمن مادامت الأحداث تجري في عالم من الافتراض.. معارك افتراضية، انتصارات افتراضية، وألقاب افتراضية، والكلفة الحقيقية لكل ذلك لا تتعدى بضع مفردات تكتبها من خلف شاشة فضية، مستلقيا على سريرك الوثير.