لا يعلم النوايا مسبقًا الا الله، وأحيانًا يستطيع المرء أن يستدل لاحقًا على كنه النية عن طريق المقدمات والقرائن والأدلة والدوافع والسياق وغيرها من ركائز.
ويمكن لهذه الركائز أن تقود محققا إلى أن يقود قاضياً إلى إثبات تهمة آخرها :”مع سبق الإصرار والترصد”، وهو مايعني ببساطة حكماً مدروساً على النية .
لدينا من تلك الركائز ما يكفي ويزيد كي يدفعنا في اتجاه الإحساس بأن كاميرا مصرية أرسلت إلى مخيم لاجئين السوريين في لبنان لم يكن لها من هدف سوى واقع الأمر في بلاده كما هو دون أدنى اعتراض من أي شكل أو نوع، وإلا صار هو أيضا “عبرة” لمن لا يعتبر، هذه رساله تتكرر في “الاعلام” المصري لفترة طويلة بتجليات مختلفة نحو هدف “استراتيجي” وفي الطريق إلى هذا الهدف “الاستراتيجي” في ذلك التجلي الأخير كان لابد من Collateral Damage (خسائر جانبية غير مقصودة)، وهو المصطلح الرقيق القمئ الذي استحدثه عسكريون أمريكان لخداع المخ نحو قبول احتمال وقوع أخطاء، ربما تكون كارثية، دون محاسبة .
في الطريق إلى هذا وقعت الكارثة و انتفت المحاسبة . في الطريق إلى هذا شُرشح الشعب السوري كله باسم الشعب المصري كله، فلا نعلم في الواقع أيهما شُرشح أكثر. في الطريق إلى هذا أُهين وطنان و شعبان و أمة، و ديس في جهل و عمى على قيم إنسانية كبرى.
لا مشكلة لدينا، بعد هذا الحدث المشين، في أن يقوم أي أحد بأي فعل مشرف أو مشين طالما أنه لا يزعم أنه يقوم به نيابة عن الشعب .هي مشكلتهم هم مع القانون ومع الأخلاق ومع المتضرر ومع من يهمه الأمر إن كان ثمة من يهتم .
أما الشعب السوري فله رب هو أيضاً رب الشعب المصري .
ولا مشكلة لدينا بعد أكثر من عامين ،في استيعاب أن من بيدهم الأمر يرون في الإعلام الحر خطراً فيكبتونه ويفتحون الأبواب على مصاريعها أمام ذلك اللون من “الإعلام” التعبوي الذي لا يدرك معظمة أدنى قواعد المهنة أو الأخلاق طالما أنه مصطف.
هي مشكلتهم هم مع الحاضر ومع المستقبل القريب وقد أثبت الماضي أي نهاية لطريق هذه بدايته، ان كان ثمة من يعي . ولا مشكلة لدينا بعد هذا كله في فهم لماذا لا يزالون يقرأون من كتالوج أكل عليه الدهر وشرب فيساوون بين أنفسهم و الوطن بحيث يكون الاختلاف معهم خيانة للوطن.
هي مشكلتهم هم مع حتميات عصر لاترحم، ومع ثورة حقيقية أسقطت الأوهام وحطمت الأصنام، إن كان ثمة من يرعوي.
نفهم -ونتفهم- لماذا اصيب قطاع عريض من المصريين بالخوف والذعر من عام الإخوان في الحكم .نفهم -ونتفهم- إلى أي مدى لا يزال كثيرون يعانون من Post Traumatic Stress Disorder (خلل ضغوط ما بعد الصدمة)
الذي تحول في بعض الاحيان إلى حالة من الهيستريا .
نفهم-ونتفهم- تعقيدات الموقف محلياً وإقليمياً في منطقة على كف عفريت، بكل مايضيفه هذا من قلق ومن ضغط نفهم -ونتفهم- ان كثيرين حتى من بين أكثر الناس اعتدالاً وفطنة، يجدون أنفسهم في النهاية وقد ارتطموا بهذا الجدار :”طيب .. وما البديل؟” ثم نفهم -ولانتفهم- لماذا يريد أن يعود بنا البعض إلى ما هو أسوا من عهد مبارك .
لكننا نزعم أن هذا بعينه هو السؤال الخطأ عن حسن نية لدى البعض الذين يتوقون إلى قليل من صفو الحياة وعن سوء نية لدى البعض الآخر الذين يعمدون إلى زرع اليأس وإرهاب الناس نحو قبول الأمر الواقع دون تفكير بدلاً من ذلك هذا جانب من الأسئلة التي لها معني في رأينا وتستحق التفكير:
1- لماذا لا نزال نعتقد أن “الإعلام” يستطيع أن ينفي واقعاً موجوداً وأن يخلق واقعاً لا وجود له بينما أثبت الماضي البعيد و القريب أن طامة كبرى كانت دائما نتيجة حتمية على رؤوس كل من آمنوا بذلك وعلى مجتمعاتهم؟
2- كيف يستطيع مجتمع أن يتصدى لدرء أي خطر، داخلي أو خارجي، أو أن يشارك في أي مشروع أو في أي نشاط ذي معنى بينما يُهتك نسيجه إلى هذا الحد و يصير مرتعًا للأمراض النفسية إلى هذا الحد؟
3-أين تقبع الحكمة تمامًا في الدفع بأسوأ من في مصر في شتى المجالات إلى صدارة المشهد، إلا من رحم ربي، بينما يُكبت أفضل من فيها ويجبرون على البقاء خارج السياق؟
4-هل صار الفساد حقاً أقوى من النظام، مثلما حذر تقرير صادر عن أحد أجهزة الدولة قبيل الثورة، بحيث لا يستطيع أحد _ بافتراض توفر الإرادة _ أن يقدر عليه ؟
5- ما الذي أزيل حتي الان على وجه الدقة من الأسباب الحقيقية جميعها التي أدت بنا إلى ثورة “حميناها” وتقترب الان من إكمال عامها الخامس ؟
عندما تتوفر لدينا الرغبة و الجرأة والقدرة على مواجهة أسئلة من هذا النوع سنكون على بداية الطريق الصحيح.