مسلسلات رمضان 2023
تهاني نصّار وعبدالرحمن جاسم
هذا العام وخلال السباق الدرامي الرمضاني، كان هناك أمرٌ مختلف، هذه المرّة كانت هناك لائحةٌ جديدة تضاف إلى اللائحتين المعتادتين: من نجح ومن خاب. أتت اللائحة الجديدة محملة بأسماء مسلسلاتٍ “وعدت بالكثير” ولكنها لم تفِ بوعودها البتة، مشكلة مسلسلات هذا الفئة أنها كان من المفترض أن “تكسّر الدنيا” بحسب التعبير المصري العامي، لكنها فشلت حتى في أن تكون ذات أهمية بالنسبة لمتابعي المسلسل الدرامي، بعضها للنص المكتوبة بتسرّع، وبعضها للزحمة داخل العمل، وبعضها فقط لأنّها صنعت بكليتها على عجل.
يمكن الحديث مطولاً حول كاريزما النجم السوري تيم حسن، وليس استقباله استقبالاً شعبياً في “المعهد العالي للفنون المسرحية” في دمشق إلا دليلاً على أنَّ هذا الممثل يحوز على “افتتان” حتى بين “زملائه” في الوسط. يمتاز حسن بذكاءه المتقد، فهو بعد “تمركزه” لسنواتٍ طوال خلف “الهيبة” و “جبل شيخ الجبل” وتحوله إلى “صنم” هناك، قرر كسر الصنم وإطلاق مهاراته. بتعاون مع ذات فريق العمل الذي قدّم معه الهيبة من المخرج سامر برقاوي وذات شركة الإنتاج (أي شركة الصبّاح)، لكن مع إضافة مهمة للغاية هي الكاتب عمر أبو سعدى، والذي قدّم مسلسلاً سيظلُ يحكى عنه لسنوات، فضلاً عن أغنية “تتر” كأنها كتبت خصيصاً لهذا العمل. “الزند: ذئب العاصي”، والذي نجح في تقريب الهوة بين اللهجات، مسبوكٌ بشكل جميل، محبوك بحرفة، وفوق هذا يمكن أن يصنع منه أجزءاٌ متعددة دون ملل.
قبل أي شيء، ورغم أنَّ نجم “جعفر العمدة”(كتابة وإخراج محمد سامي) المصري محمد رمضان، لا يحب الأجزاء على ما يبدو، لكنه يستطيع شأنه شأن تيم حسن، المراكمة على نجاحه هذا العام، وتقديم شخصية “جعفر العمدة” في أجزاء متعددة وسيصبح –بحسب الظاهر- الدجاجة التي تحقق له الذهب. فعلياً، لم ينجح ممثل أو مسلسل منذ سنواتٍ طوال في عاصمة الدراما العربية –القاهرة- وبهذا الحجم والمقدار قدر أعمال محمد رمضان، فمن “الأسطورة” إلى “جعفر العمدة” لايزال الممثل المصري الشاب “مالئ الدنيا وشاغل الناس”؛ الأمر الذي حدى ببعض الجمهور إلى تعليق يافطات “حقيقية” كرمى للمسلسل ولأبطاله. نجح رمضان في العودة إلى “نجاحاته” الأولى، والسبب في كل هذا يعود إلى عودته لجذوره ولشعبيته التي جعلته نجماً في المصاف الأوّل.
الكاتبة الكويتية ذات المهارة المرتفعة لاتزال مذ “اخترعت” مسلسلها “دفعة القاهرة”(2019) ولم تعد تنظر إلى الخلف أبداً. هي فهمت اللعبة الدرامية جيداً، خريجة الآداب وحاملة الماجستير في النقد تعرف “تقنيات” الكتابة أكثر من غيرها بكثير. هي استطاعت بحرفةٍ بالغة و بمهارةٍ مرتفعة أن تجمع كماً هائلاً من النجوم والأبطال في مسلسلٍ واحدٍ دون أن يعاني المشاهد من عدم فهمه للمشاهد، أو ضياعه بين سطور العمل. يكفي فقط النظر إلى الحلقة الأولى من عملها حينما أضافت “الليدي ديانا” (نعم، دوقة ويلز الراحلة) إلى عملها بسهولة وسلاسة، وجعلت أبطالها يتعاملون معها كما لو أن الأمر حصل حقيقةً. يحسب للكاتبة المجدّة أنها أيضاً تناولت قضايا شائكة بمهارة مرتفعة، فقدّمت ولأوّل مرة شخصية “حيدر”(حمد أشكناني) الطالب الشيعي كجزء لايتجزأ من المجتمع الخليجي، وليس “كخارج” النسيج، فضلاً عن مقاربتها للعلاقات العربية العربية دون “مراعاة” وهمية للخلافات والنقاشات.
رغم أن المسلسل قد عُرض بعد نصف شهر من السباق الدرامي، فإن الخمسة عشر حلقة من مسلسل “تحت الوصاية”(تأليف خالد وشيرين دياب وإخراج محمد شاكر خضير) كانت كافيةً وللغاية في أن يحتل المسلسل قمة أولويات المشاهدين لمتابعته. القصة المحبوكة، مهارة منى زكي الأدائية، كاميرا محمد شاكر خضير، فضلاً عن القضية المطروحة، كلها جعلت الناس متعاطفين من بطلة العمل، مع الجو العام، وبالتالي كان هذا النجاح المدوّي الأمر الذي دفع “بالدولة المصرية” إلى النظر في “قوانين الأسرة” بشكلٍ حقيقي وفعلي.
مسلسلات نجحت تستحق الذكر كذلك: مذكرات زوج، الصفارة، الكبير أوي، جت سليمة.
لاريب أن أكثر مسلسلٍ حُكي عنه خلال العام الدرامي الحالي هو مسلسل “سره الباتع”(كتابة يوسف ادريس وإخراج خالد يوسف). بدايته القوية وقصته التي بدا أنها “محبوكة” للغاية، فضلاً عن وجود ممثلين مهرة مثل أحمد فهمي، حنان مطاوع وحسين فهمي، ومخرج له باعٌ كبير مثل خالد يوسف. كانت البداية سريعة وقوية، لكن المسلسل سرعان ما ضاع في فخ المط والتطويل والنفس الدرامي القصير لجمهور يريد قصةً أقل تعقيداً، وفيها “أكشن/حركة” أكثر. ضاع المسلسل في تفاصيل كثيرة مما أفقده الجمهور وبسرعة بالغة.
شأنه شأن المسلسل السابق، مخرجةٌ معروفة وماهرة هي رشا شربتجي، ممثلون نجوم مثل عباس النوري، محمود نصر، وأمل عرفة، كل ذلك لم يستطع أن ينقذ مسلسلاً جاءت فكرته أكثر تعقيداً مما ينبغي. القصة التي كتبها علي الصالح، ورسمت صورتها العامة رشا شربتجي بدت “مبهمة” منذ الحلقات الأولى، لايفهم المشاهد منها شيئاً. محاولة اللعب على “قبل وبعد” في القصة، جعلت الأمور غير واضحةً البتة، ولم تنفع محاولات نجم العمل محمود نصر في الإنقاذ، إذ بعد خامس حلقة من هذا الإبهام الكبير، يفقد المشاهد رغبته بالمتابعة، مهما كانت الحلقات المتبقية مهمة أو قوية.
لا يمكن لمشاهد فهم ماذا تريد “منّة شلبي” من مسلسل “تغيير جو”(تأليف منى الشيمي وإخراج مريم أبوعوف). فعلياً ما هي القصة وراءه؟ ما هي الحبكة؟ لماذا صُنع هذا المسلسل أصلاً. منطقياً كان يجب أن يقبع المسلسل ضمن المسلسلات التي فشلت هذا العام، ما أنقذه بصراحة هو وجود النجمتين شيرين وميرفت أمين في العمل، فضلاً عن إسم منّة شلبي وإداءها “الماهر” في بعض المشاهد. هي لايعوزها المهارة في الإداء، إنما يعوزها نصٌ مكتوبٌ بعناية، ومخرج يفهم كيف يدير كاميرته أمامها.
مسلسلات تستحق الذكر هنا مثل “تلت التلاتة”، “رشيد”، ضرب نار، سوق الكانتو، وأخيراً، خريف عمر
يمكننا الخلاص إلى أنَّ واحد من أكثر أمنيات متابعي ومحبي الدراما في العالم العربي هو “الخلاص” من مسلسل “باب الحارة”. لقد وصل “استهلاك” الفكرة إلى حد الإنتهاك فعلياً. لا قصة، لا دراما، لا مضمون، لا إداء ممثلين. لا شيء يشفع لهذا العمل كلياً الذي لايعرف من هو جمهوره الحالي أو جمهوره المستهدف، أو حتى لماذا لاتزال الشركة المنتجة راغبةً في انتاجه.
لايمكن لأحد أن يفهم لماذا يفعل النجم المصري “محمد سعد” بنفسه ما فعله من خلال تقديم مسلسل مثل “اكس لانس”(كتابة ورشة كتابة بلاك هورس، وإخراج ابرام نشأت). في المعتاد، تقوم الكوميديا المصرية على الإيفيهات أو كوميديا الموقف، أما ما يفعله سعد في هذا المسلسل، لايمكن تصنيفه بأي شكل من الأشكال ضمن أيٍ من هاتين المدرستين. فعلياً على سعد مراجعة ما يفعله بنفسه، قبل أي شيء، وأي أحد فعمل مثل هذا لا يشبه الدراما لا من قريب ولا من بعيد.
قد يرى كثيرون بأن مسلسل “زقاق الجن”(كتابة محمد العاص إخراج تامر إسحاق) يظلم بوضعه بين المسلسلات الفاشلة خلال السباق الدرامي الحالي. للحقيقة يخيب أمل أي مشاهدٍ بهذا العمل وبعد اللحظة الأولى منه. قصة مرتبكة، مزعجة وواهنة، كانت قد تنفع قبل سنوات طوال، ولربما لاقت وقتها بعض القبول. اليوم لم يعد هذا النوع من القصص والشخصيات مقبولاً أو الأجواء حتى. رأس العائلة الظالم و”المفتري” بمواجهة قصةٍ “بوليسية” في دراما “شامية”. يمكن للقارئ -كما حدث للمشاهد- تخيل كمية “المصائب” الناتجة عن هكذا خليط.
قد يناقش أحدٌ هنا أيضاً في أنَّ هذا المسلسل(كتابة سماح الحريري وإخراج خالد مرعي) كان قد وعد بالكثير خصوصاً مع وجود نجمين مثل مي عمر وياسر جلال، لكنه فشل في “الارتباط” مع الجمهور مع قصةٍ قائمة على “الخيانات” دون أي سببٍ منطقي، أو حتى أبعاد لذلك الأمر. القصة الباهتة والإخراج الأقل من عادي، فضلاً عن عدم وجود أي كيمياء بين البطلين في هذا العمل، رغم أنهما كانا من نجوم العام الفائت (مع مسلسل “الفتوة”). إداء الممثلين الباقين أضاف إلى “سوء العمل”، ومن شاهد حلقات العمل الأولى يعرف لماذا كان فشله ذريعاً.
مسلسلات تستحق الذكر هنا: علاقة مشروعة، لحن البحر، رمضان كريم، جميلة.