نقلا عن مجلة “صباح الخير” الكلاسيكي
أن تقدم لجمهور 2023 عملًا مستوحى من تراث نجيب الريحاني وبديع خيري، فهو تحدي يحتاج إلى شجاعة فنية وثقة في الأدوات والمهارات المسرحية المتوفرة لديك، لكن المسرح الكوميدي بقيادة الفنان ياسر الطوبجي نجح إلى حد بعيد في تلك المهمة، وكان أمينًا على تراث الكبيرين؛ الريحاني وخيري، وقدَّم عرض “طيب وأمير” جامعًا بين الرسالة الواضحة الراقية والضحك الذي لا يتوقف، دون السقوط في فخ الابتذال أو الاعتماد على ما يقوله الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما تكرر في أعمال كوميدية عديدة.
“طيب وأمير” ينطلق من نفس فكرة مسرحية “سلامة في خير” ويقترب من فكرة فيلم “صاحب الجلالة”، حيث أمير دولة سرسستان الذي يستعين بشخص بسيط ليقوم بدوره في زيارة للقاهرة، حتى يعيش حياة طبيعية بعيدًا عن أبهة الإمارة وفي نفس الوقت ينجو من محاولة اغتيال، أما الطيب فقادته الظروف للفندق الذي ينزل فيه الأمير ووزيره وحاشيته لأنه تعرض لموقف عارض أثناء تسليم عهده بمليون جنيه للبنك، وكان عليه الحفاظ على هذا المبلغ 3 أيام كاملة خلال الإجازة، فنصحه أحدهم بالإقامة في فندق.
أحدهم هذا هو الإضافة التي تحسب لأحمد الملواني كاتب النص ومحمد جبر مخرج العمل، الشخصية أو “الحبكة” التي حرَّكت الأحداث، نظنه طول الوقت “الفضولي” أو “الحشري” لكنه كان بمثابة “القدر” الذي يغير مجريات الأمور، ويفكر بدلا عن الموظف الطيب سعيد الذي وقع في حيرة من أمره بعدما وجد نفسه مسئولا عن مليون جنيه دفعة واحدة.
اعتمد العرض على فكرة الثنائيات وقدمها بنجاح كبير، بداية من ثنائية صاحب الشركة وابن شقيقه الفاشل الحانق على “سعيد الطيب”، ثم ثنائية سعيد والفضولي، وصولا لموظف الفندق ومساعده، حتى الأمير ووزيره، والأمير وفتاة الاستقبال، والشرير وابنته، حتى ثنائية فرقة الاغتيال الكوميدية، كل هؤلاء تداخلوا مع بعضهم البعض ونجحوا في إنتاج الضحك بشكل متواصل من الدقيقة الأولى حتى إسدال الستار، مع الاحتفاظ بالنهاية الريحانية التي نشاهد فيها الطيب يحصل على جزاء أمانته، عكس أعمال كثيرة نرى فيها الأشرار ينتصرون في النهاية كما في بعض مسلسلات رمضان على سبيل المثال.
المخرج محمد جبر بات اسمًا بارزًا في معادلة المسرح المصري خلال السنوات الأخيرة، لم يكتف بنجاحات المسرح المستقل وها هو يؤكد جدارته عبر خشبة مسرح الدولة وفي أول عرض تحت إدارة ياسر الطوبجي وبإشراف خالد جلال دينامو مسرح الدولة الذي لا يهدأ. يعرف جبر كيف يحافظ على إيقاع العمل ولا يوفر فرصة دون إطلاق الضحكات، لكن أهم ما يحسب له في هذا العرض هو حسن اختيار كل الممثلين، وإعطاء الجميع الفرصة للإضحاك والظهور دون ربط ذلك بالمساحة.
الفنان هشام إسماعيل ابن المسرح قدّم الشخصية باقتدار والتزام يحسب له، ولم يحاول ولو لمرة الخروج عن النص من أجل الاستحواذ على انتباه الجمهور، لهذا أحب الناس الشخصية وتعاطفوا معها وفرحوا لها في النهاية، وتامر فرج يؤكد من جديد أنه ممثل كوميدي محترف، وساعدته الشخصية وقاموسها كثيرًا على ذلك، فيما كانت المفاجأة في عمرو رمزي المقل في تواجده كممثل والذي انطلق للأمام كثيرا عبر شخصية الأمير.
وكالعادة يثبت أحمد السلكاوي أنه ممثل مسرحي مخضرم ولم يؤثر ظهوره في النصف الثاني من المسرحية على تحقيقه الأثر المعتاد في نفس الجمهور، وتثبت شيماء عبد القادر مجددًا أن غيابها المتكرر يحرم الجمهور من موهبة فطرية يجب أن تستغل، وكنت أتمنى مساحة أكبر لموهبة محمد يوركا. كما أجادت نهى لطفي في شخصية الحبيبة، مع الإشادة بالممثلين الذي قدموا شخصيات “شريف” و”نعمان” و”مساعد مدير الفندق” و”الزوجة” و”الأم” ورجل العصابة، بالإضافة للممثل المخضرم مجدي عبد الحليم.
أخيرًا، قدم شخصية الفضولي بتميز “محمد جبر” في العرض الذي شاهدته بسبب غياب طارئ لشريف حسني، ما يدفعني للذهاب مجددًا بعد ما وصلني من إشادات بالطاقة الكوميدية الكبيرة التي يقدمها حسني في “طيب وأمير”.
يذكر أن “طيب وأمير” من إنتاج فرقة المسرح الكوميدي. العرض عن تراث الريحاني وبديع خيري، كتابة أحمد الملواني وإخراج محمد جبر. بطولة هشام إسماعيل، عمرو رمزي، تامر فرج، شيماء عبد القادر، أحمد السلكاوي، شريف حسني، نهى لطفي، محمود فتحي، وفاء عبد الله، رشا فؤاد، جلال الهجرسي، فهد سعيد، مجدي عبد الحليم، رانيا النجار ، محمد يوركا، أحمد النمرسىي، ومحمود الهنيدي. ديكور د.حمدى عطية، موسيقى وألحان كريم عرفة، أشعار طارق علي، ملابس أميرة صابر، استعراضات أسامة مهنى، إضاءة أبو بكر الشريف.