ليس من قبيل المبالغة أبدًا أن نصف مشروع عادل إمام الفني بأنه تأريخ متعدد الأبعاد لمصر، خاصة من تلك المرحلة التي انطلق فيها بطلًا لأعماله أو حتى لنقل من بداياته الفنية أيضًا.
ما بين “بلد بتاعة شهادات صحيح” (مسرحية أنا وهو وهي – 1964) وصولا إلى “البلد دي مش محتاجة مهندسين.. البلد دي محتاجة صيع” (فيلم عمارة يعقوبيان – 2006) أرّخت أعمال عادل إمام اجتماعيًا وسياسيًا ما يحدث في مصر بسلاسة مدهشة. كما انتقل هو من جلباب الفلاح إلى البذلة الجينز التي يرتديها المهمشون في المدينة، وصولا لبذلات الفاسدين السلطويين.
أعمال إمام قدمت تأريخًا مدهشًا على أصعدة عدة، بصريًا ولغويًا، قدم القرية فلاحا معدما يدخل بيوت العمد وقصور الإقطاعيين، قدم المدينة صعلوكا مهمشا يصارع باشوات عصر الانفتاح، وقدمها ابنا لطبقة متوسطة دنيا أو عليا يعارك البيروقراطية والمحسوبية. وبعد استراحة محارب بداية الألفية، سكن الزعيم فيها ليرى المشهد الذي يتغير من حوله، ويستوعب أيضا مرحلته العمرية الجديدة، عاد ليؤرخ لعصر “جيل المستقبل” الذي سكن “الكومباوند” وتوحشت رموزه السياسية والاقتصادية بلا رادع أو رقيب.
ارتكز مشروع عادل إمام الفني على تيمة الصعود وحده بطلا في مواجهة العالم؛ طالب في كلية الطب، مهندس، أو حتى لص، يفوز دائما في النهاية، وإن كانت النهاية تترك مفتوحة في بعض أعماله، إلا أنها لا تشير من طرف خفي إلا لانتصار (طيور الظلام نموذجا).
يرى إمام العالم بعيني بطل، وربما يفسر هذا الأمر – كما نبّه منشور مميز قرأته على فيس بوك وللأسف لم أحتفظ به فسقط مني اسم صاحبه، وأرجو أن يسامحني – يفسر هذا الأمر خلافه الأشهر مع المخرج الكبير محمد خان.
تختلف رؤية الزعيم لنفسه وللعالم عن رؤية جيله من المخرجين الكبار خان والطيب وبشارة، الذين طبعت نكسة يونيو مرارتها على قلوبهم وتركت بصمتها المشئومة في رؤيتهم للحياة، فجاءت أعمالهم على عظمتها منكسرة الأبطال في نهاياتها، وهو ما لا يتفق مع رؤية إمام للحياة عموما ولمشروعه خصوصا.
يعلم الجميع أن الزعيم لا يحب فيلم “الحريف” الذي يصنفه الكثيرون درة أعماله، وربما يأتي غضبه من الفيلم لأنه لا يتفق مع رؤيته، فـ”الحدوتة” التي انتهت بإرادة خان بأن “زمن اللعب راح يا بكر” ربما كانت لتنتهي بفوز فارس في مباراته أمام الحريف الجديد إذا فرض إمام إرادته على خان.
اختار عادل إمام أن يكون شمعة تضيء الطريق للحالمين، “لايف كوتش” بمصطلح يليق بزمن الترند، يأخذ بيد المحبطين وينير في وجوههم طريق النجاح.
موهبة عادل إمام كممثل، على رحابتها، قابلها عقل شديد الذكاء والقوة، لجمها ووجهها إلى حيث يريد، إلى مشروع واضح الملاح له خط واضح وملامح محددة، عقل يجعل من الزعيم مؤسسة حقيقة صنعت نجما في زمن احتاجت فيه ألف ألف موهبة لعقل يرشدها ويخط لها طريق النجاح.
متع الله عادل إمام بالصحة والعافية وبارك في عمره.. كل سنة وأنت طيب يا زعيم.