منى زكي وراني موخرجي
رباب طلعت
لا يزال الصدى الواسع الذي حققه مسلسل الفنانة منى زكي “تحت الوصاية”، الأنجح في الموسم الرمضاني 2023 يدوي، على الرغم من مرور أكثر من شهر على انتهاء عرض آخر حلقاته الـ15، القصيرة جدًا، والكافية جدًا، لتمنحنا جرعة درامية ممتعة على كافة الجوانب الفنية والإنسانية، فالعمل يتصدر اسمه وأسماء أبطاله عناوين الأخبار أسبوعيًا، للإعلان عن فوزه بجائزة ما، هي بالتأكيد مستحقة.
وعلى الجانب الآخر، يحصد “Mrs Chatterjee vs Norway” أحدث أفلام النجمة الهندية راني موخرجي، لصالح “نتفليكس” إشادات النقاد والجمهور على حد سواء، فقد حصل على تقييم (7.3/10) على موقع (imdb)، وهو العمل المأخوذ عن قصة حقيقية، وكتاب صادر عام 2022، يروي قصة السيدة الهندية ساجاريكا تشاكرابورتي.
وبرغم الاختلاف الجغرافي لكلا العملين إلا أنهما يرفعان نفس اللافتة “الأم أحق بولاية أبنائها”، فالأم هي من تستطيع عمل المستحيل لحمايتهم ورعايتهم، هي فقط من تدرك جيدًا أدق تفاصيل ذلك المخلوق من رحمها.
ففي مصر، وتحديدًا في الإسكندرية، تقرر “حنان” التي قدمها منى زكي أن تواجه سطوة العم والجد على ميراث نجليها اليتيمين، والمركب التي خلفها والدهم الراحل لهم، بسرقتها للعمل عليها كـ”ريس بحرية”، تواجه الكثير من الصعاب الأشد من أمواج البحر العاتية، فتواجه المجتمع ونظرته لها لعملها في مهنة الرجال، وقوانين الوصاية الي تتعامل معها على أنها “غير أهل لولاية أبنائها وحمايتهم”، وأبنائها المعلقين في عنقها، وجشع أسرة زوجها الراحل، لتكشف عن كثير من العوار في قوانين الوصاية، وكثير من الخذلان في نظرة تلك القوانين والمجتمع للأم!
وفي النرويج، تقف السيدة تشاترجي بمفردها في مواجهة الحكومة النرويجية، التي اختطفت منها أبنائها، باسم أحد المنظمات الحقوقية الخاصة بالأطفال، الذين يعرضونهم للبيع لأسر بديلة، تصلح لتربيتهم بدلًا والدتهم، لمجرد اعتراضهم على شكل ثقافة مختلف تعكسها الأم، مثل طرق التعبير عن حبها لهم، وإطعامهم، واعتنائها بهم.
في كلا العملين، تعرضت الأم لكثير من الأحكام الظالمة والتعنت من أسرة الزوج (عم أبناء حنان الطامع في المركب والجد والجدة الذين يتحكمون في مستقبلهم وحياتهم، وزوج تشاترجي الباحث عن الجنسية بأية طريقة حتى ولو كان بالتخلي عن أبنائه وجشع أسرته)، كلا السيدتين واجهتها القوانين التي قيمتها بأنها غير قادرة على رعاية الأبناء (القانون المصري ينقل وصاية الأبناء لأحد ذكور الأسرة في حالة وفاة الأب، ويسلبها من الأم إذا ما طالب أحد الذكور بذلك ومنها الوصاية التعليمية والتصرف في الميراث، والقانون النرويجي الذي يتعامل مع المهاجرين واختلاف الثقافات بتعنت وتتربح أحد المنظمات من وراء سلب الأطفال من والديهم لبيعهم لأسر مقتدرة ماديًا مقابل مبلغ مالي كبير)، وكلاهما واجهتا وجهة نظر المحيطين بهم والمجتمع لمحاولات إثبات أن لا أحد يحب أبنائه ويخاف عليهم مثل أمهم.
وبجانب محاكمة المجتمع للبطلتين، وقفت كلاهما أمام القضاء، في حرب شنعاء، وقوية في حالة “تشاترجي”، وضعيفة ومكسورة في حالة “حنان”، ولكن كلاهما بغض النظر عن نظر القانون، كانوا هم من يحاكمونه وليس العكس.
ففي مشهدين أقرب ما يكونا لبعضهما من حيث المضمون، وقفت حنان المصرية أمام القاضي الذي حكم عليها بالسجن لتبديد ميراث نجليها، حيث وضع على عاتقها مسؤولية حرق العم للمركب الذي لم يتم معاقبته، لمجرد أنها في نظر القانون سارقة لمال أبنائها! ولكنها بفطرة الأمومة، وضعت القضاء داخل قفص الاتهام، فتحدثت ببساطة شديدة عن مفضلات أبنها “ياسين” في الطعام، فهو له طريقة معينة في تناول “الملوخية”، ويحب كرة القدم بشدة، أما “فرح” الصغيرة فهي بحاجة لرعاية خاصة جدًا، لأنها لا تنام إلا في حضنها، لتكشف بمنتهى البساطة عن مكنون الأمومة (لا أحد يعرف ابني أكثر مني، ولا يهمني القانون او مصيري، فقط أبنائي ما مصيرهم؟)، لتجلدهم بكلمات في منتهى السطحية، ولكنها ذات معنى عميق.
أما “تشاترجي” فهي الأخرى وقفت تتسائل كيف للقانون أن يحكم عليها بأنها أم غير صالحة لتربية أبنائها، وما الخطأ الذي فعلته في إطعام ابنها بيديها لأنه مصاب بالتوحد، ولا يحب تناوله بالمعلقة، وكيف له أن يسلب منها ابنتها الرضيعة وهي لم تفطم بعد وبحاجة شديدة لحليبها، وكيف توصف بأنها “خاطفة” لمحاولتها استعادتهم من منزل لا يليق بتربية الأبناء! منى زكي وراني موخرجي
العدالة أم الرحمة؟ ذلك كان الاختلاف الفيصلي بين القصتين، ففي حالة “حنان” طبق القانون العدالة، بمنتهى الصرامة، فلم تكن كلمات حنان وبكاء أبنائها، وتضامن من حولها بقضيتها كافيين لينظر القاضي لها كأم حاربت من أجل أبنائها، بل أدانها كمذنبة في حقهم، ولكن “السيدة تشاترجي” كانت أكثر حظًا، فقد رجح القاضي كفة الرحمة على العدالة، فقط تطلب منه الأمر للحكم لها بأن يطلب لقاء الأطفال المفصولين عنها منذ أكثر من عام، وأحضر لهم حلويات لم تستطع أن تلفت نظرهم المعلق بأمهم، حيث ارتموا في حضنها وغمرتهم بحنان كافِ ليأخذ القاضي قراره التاريخي بأن الأم أحق بأولادها، من حكومة دولة كاملة.